* قلنا من قبل إن كثيرين أولئك الذين ارتفعت حواجبهم دهشة لمشاهد التشييع المهيب وغير المسبوق للفنان العبقري محمود عبد العزيز، وأعداد كبيرة كانت تسأل نفسها: (هل هذا المغني الشاب يمثل ظاهرة إلى هذا الحد الذي نراه، وما سر هذا الإعجاب الخرافي..؟).. وللذين طرحوا الأسئلة وغيرهم ينبغي أن نقول إن الفتي الذي فجعت البلاد برحيله قبل عامين ونصف كان يمثل أسطورة حقيقية قبل أن يكون ظاهرة فنية!
* عندما كان صوته يسد الفضاء، قلنا إن الناس لن يدركوا قيمة أسطورة محمود إلا بعد عشرات السنين، وأشرنا إلى أنهم حينها سيتحسرون على عدم احتفائهم اللائق بموهبة هذا الفنان الذي يعتبر من أصحاب أعذب الأصوات الغنائية التي صافحت الأذن السودانية في الخمسين عاماً الماضية..!
* كان محمود يعتبر بلا منازع (المالك الرسمي) لأعرض شرفة جماهيرية أطل من خلالها فنان شاب، لذا فقد أحبه الجمهور بولهٍ وجنون وتفانٍ، وظل اسمه مرتبطاً بالنجاح الفني الباذخ منذ انطلاقة مسيرته الغنائية..!!
* امتلك «الحوت» قاعدة جماهيرية عريضة كانت لها مواقف كاملة النُبل إبان فترة مرضه تحدثنا عنها في مقال الأمس، وظلت مبادرات (الحواتة) متواصلة في العمل الإنساني بعد رحيل محمود، فقد رأيناهم يقدمون يد العون لمرضى المستشفيات ويتبرعون بالدم في أكبر الحملات وزياراتهم لم تنقطع لدور العجزة والمسنات!
* اليوم يُطلِق (الحواتة) مبادرة خلاقة ومختلفة فسيتدافعون من كل فج عميق إلى نادي ضباط قوات الشعب المسلحة لحضور حفل جماهيري هم (جمهوره وفنانوه).. نعم، ستأتي فرقة الفنان الراحل محمود عبد العزيز لخشبة المسرح وتبدأ في عزف الأغنيات، ولا أحد سيغني سوى (الجمهور).. لا تتعجبوا للفكرة، ولا تندهشوا لغرابتها، ولا تحسبوا أن تنفيذها سيكون صعباً، فمن كان يحرص على حضور حفلات (الحوت) يدرك أن الجمهور الذي كان يملأ الأرجاء ويحتل المدرجات ويسد الجنبات كان يغني مع فنانه بطريقة بديعة وأصوات مُشبعة بالحب قبل التطريب، و(زمن مضبوط) لأناس يحفظون الأغنيات بكلماتها و(لزماتها)..!
* أن تقوم رابطة محبي فنان بتكريمه حياً فهذا أمر شاهدناه كثيراً، وأن ينظم عشاق فنان (ليلة تأبين) لفنانهم المفضل بعد رحيله فهذا أمر اعتدنا عليه أيضاً، ولكن أن يضع جمهور فنان صورة فنانهم الراحل في خلفية المسرح ثم يقومون بإحياء حفل جماهيري كامل بكل (فواصله وأغنياته) فهذا هو الجديد الذي سنستمتع به اليوم مع (الحواتة) بنادي الضباط ونضيفه لسجلهم المليء بالإشراقات والوفاء والإبداع والمبادرات..!
نفس أخير
* ولنردد خلف قاسم أبو زيد:
ﻋﺸﺎﻥ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﺡ ﻋﺸﺎﻥ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻣا يجرح
ﻳﻼ ﻧﻐﻨﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮﺓ ﻳﻼ ﻧﻐﻨﻲ ﺷﺎﻥ ﺑﻜﺮﻩ
ﻟﻠﺒﻠﺪ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﺫﻛﺮﻯ