** لتوه بدا أن الحديث مع شخصية بضخامة الدكتور نافع علي نافع ليس صعباً ولكن إرغامه على الاعتراف وقول كل شيء هو الأصعب، وبقدر ما أنه بسيط في التعبير عن رؤاه بقدر ما هنالك صرامة في إحكام قفصه الصدري، ولذلك كان يقول لي في نهاية الحوار إنه لن يكتب مذكراته ولن يعرض أسرار الدولة للفرجة.
ها هو اليوم يجلس على مقعد أمانة الأحزاب الأفريقية بفاعلية وبنفس الهندام والملامح ونبرة الصوت، المكان أنيق تداعبه نسمات النيل في (قاردن سيتي) ويوحي بالفخامة، لكن ثمة هدوءا ونحولا قد اعتراه، وإن كان من الصعوبة بمكان أن نسقط عليه وصف المحبوب عبد السلام مفاصلتئذٍ: “نافع ملك متوج على حطام مملكة وقائدٌ بغير معركةً”.. بالطبع جاءت سيرة كل شيء الانقلاب وبيوت الأشباح وكارلوس والعلاقة مع علي عثمان والخروج الكبير، وكان الرجل الذي بنى المؤتمر الوطني على صورته ونفخ فيه من روحه، على العهد به دائماً لا يكتم مشاعره، ومما جعل للحوار معه مذاق البرتقال أنه شاهد رأى كل شيء، وربما صنع كل شيء أيضاً، حيث يبدو مفعماً بالحيوية ولا يعوزه التبرير لأيما تناقض تبدى للأسئلة، وقد كان صادقاً في تعابير وجهه، جريئاً لفرط إرباك جهاز التسجيل.. لنتابع الحوار إذن.
+ (نواصل في ما انقطع).. لو طلبنا منك يا دكتور أن تمارس نقداً ذاتياً على تجربة المؤتر الوطني؟
_ المؤتمر الوطني حزب كبير، والحزب قدر ما يكبر وتكبر شعبيته معناها الالتزام الفردي التنظيمي القوي بيخف ويتأثر.
+ هل صحيح أن عضوية الوطني وصلت عشرة ملايين؟
_ الكلام كان عن (6) أفتكر..
+ وهل الـ(6) ملايين رقم حقيقي؟
_ طبعاً، ونحن عندما نتكلم عن عضوية ستة ملايين بنتكلم عن العضوية المسجلة المعروفة.
+ هل هنالك عضوية غير مسجلة؟
_ أنا شخصياً بعتقد أن في عضوية كثيرة جداً ملتزمة مع المؤتمر الوطني لم تدخل في كشوفاتنا.
+ ومع ذلك كان موقف الوطني في الانتخابات الأخيرة هزيلاً؟
_ الانتخابات عشان الواحد يحكم عليها بأنها ضعيفة لازم يعمل مقارنة مع نسب الانتخابات في دول العالم، ولو قارنتها مع أمريكا أو أي دولة في أوروبا ستجدها أكبر منهم.
+ ثمة من يردد أن عضوية المؤتمر الوطني جميعم من الأثرياء؟
_ أنت تعلم أن الذي تقول ليس صحيحا..
+ لست أنا من يقول ولكنه يقبع في مظان الكثيرين؟
_ إنت بتقول إنو عضوية المؤتمر الوطني عشرة ملايين، لو في عشرة ملايين في السودان أثرياء تاني ما بكون في زول فقير..
+ كيف وعدد السودانيين ضعف ذلك؟
_ لو أي زول من العشرة معاه ثلاثة فقط بتطلع بثلاثين مليون شخص ثري، هم جملة سكان السودان.
+ دون ذكر أسماء، الاتهام القديم الذي يلاحقك هو أنك كنت تشتري ولاء السياسيين؟
+ لو نحن بنشتري السياسيين معناها هم في السوق، وهو احتقار للشخص الآخر.
+ قالها أحد السياسيين من قبل؟
_ نعم وأتذكر قلت له: أنت ما خرجت منهم وجيتنا في الأول كم دفعنا لك؟ طيب لماذا أنت ترمي الآخرين بما تفعل! ونحن ذاتنا انقسمنا فمن الذي اشترانا أو اشترى الجناح الآخر.
+ التهمة الأخرى أيضاً حاضرة بتفتيت الأحزاب؟
_ مافي حزب ما انشق في الدنيا دي، وإلى كم فئة حتى الآن انشق حزب البعث؟ وكم هي المجموعات التي انشق لها الحزب الشيوعي.
+ تلك مراجعات فكرية ولكن بالنسبة لكم أنتم فقد كان التنافس على السلطة سبباً في الانشقاق؟
_ وكيف تعرف ذلك؟ والقال ليك منو الناس ما بتنافسوا على السلطة في الأحزاب؟ ألا تعلم أن من أكبر معضلات الأحزاب العقائدية القديمة هو الحديث الذي يطفح عن الكرادلة والشباب وجناح التغيير، وكلها منافسة على القيادة.
+ عضوية الوطني كانت تبصم على القرارت، أو يمكن أن نقول إنها مسيرة، أليس ذلك صحيحاً؟
_ غير صحيح، عضوية الوطني لا تبصم على القرارات.
+ ما هو الصحيح إذن؟
_ أتحدى أي حزب في السودان أن يفعل مثلنا، يطلع لينا لائحة يدير بيها الانتخابات، وكيف يختار مرشحيه، المؤتمر الوطني هو الحزب الوحيد الذي يحدد كيف يختار المرشح للدائرة الولائية وكيف يختار المرشح للدائرة القومية، وكيف يختار مرشح للرئاسة.
+ هل تستطيع أن تنفي مثلاً أن الكلية الانتخابية تتأثر بالإيحاءات والاتصالات؟
_ كون الكلية الانتخابية تتأثر بالإعلام والناس واتصالاتهم دي الديمقراطية ذاتها وما بنقدر نمنعها.
+ في المؤتمر العام الأخير إنت حصدت أصوات عالية ومع ذلك تغيرت الموازين على نحو مفاجئ فهل ثمة مساومة؟
_ أول حاجة الانتخابات التي وجدت فيها أصوات ليست على مستوى ترشيح رئاسة الجمهورية، لأن في ترشيح الرئاسة كان هنالك إجماع كامل على الأخ البشير.
+ ولكن هنالك تيارات عبرت عن نفسها حتى في الصحف؟
_ قد تكون قبل المؤتمر العام كانت هنالك تيارات، تيار قوي جداً عايز الرئيس يستمر، وتيار آخر يفكر في التغيير وعنده مرشحه الذي يتحدث عنه.
+ وبعد انعقاد المؤتمر ما الذي حدث بالضبط؟
_ بعد أن انعقد المؤتمر أصبح هنالك إجماع على الرئيس واضح جداً، لكن نحن لائحتنا تقول إن المجلس القيادي لا يمكن أن يقدم مرشحا واحدا من الشورى، لازم يقدم خمسة والشورى ليس من حقها أن ترفع للمؤتمر العام واحدا.
+ ماذا عليها أن تفعل؟
_ تعمل انتخابات وترفع ثلاثة، الأول هو الذي ترشحه، إذا المؤتمر اعتمده خلاص وإن لم يعتمده بأغلبية خمسين زايد واحد تجري الانتخابات بالثلاثة، والرئيس طبعاً حصل على أعلى الأصوات.
+ هل صحيح أن الرئيس لم يكن راغباً حتى أثناء المؤتمر ومورست عليه ضغوطات من الداخل؟
_ لا تسمى ضغوطات لكن الرئيس كان رافض يترشح طبعاً، وكان الرأي الغالب في المؤسسات أنه لازم يترشح.
+ ولو تمسك بالرفض؟
_ الذي حدث أنه بحكم الالتزام الصارم باللوائح الحزبية وافق.
+ لماذا فشل المؤتمر الوطني في تقديم بديل للرئيس؟
_ ما بتقدر تسميه فشل لكن الحزب لا يتخذ قرارات حتى يقال له فشلت أو لم تفشل.
+ ما الذي كان يفعله الحزب وقتها؟
_ الحزب عمل تقدير موقف وشاف أحسن الخيارات في قيادته هو وقيادة البلد، وكان تقدير الناس في ظل الظروف الموجودة والتحديات الموجودة وخبرته وعلاقاته أن البشير هو الأفضل ليتقدم.
+ هنالك رواية بأن علي عثمان شعر بأن موقف نافع قوي جداً داخل المؤتمر الوطني فمارس ما سماه أمين حسن عمر بالإكراه المعنوي؟
_ إكراه علي منو؟
+ على العضوية بالطبع؟
_ طبعاً الأخ علي عثمان رشح الرئيس بوضوح.
+ ماذا كان يعني لك ذلك؟
_ قناعاتي أن قناعته مثل الكثير جداً من الناس أن في هذه المرحلة أنسب أن يقود الرئيس، ولا أعتقد أن الناس صوتوا للرئيس لأن علي عثمان فرض عليهم إرهابا أو غيره، هو تكلم عن قناعاته، وطبعاً بوزنه السياسي ممكن يكون أثر في كثير من العضوية.
+ كيف يمكن أن يؤثر علي عثمان بحيث يغير موازين العملية الانتخابية تماماً؟
_ لأن الناس تعتقد أن القيادة اللصيقة بالرئيس ترى أنه أفضل أن يتقدم مرة أخرى.
+ كأنك تنفي صحة الرواية تماماً؟
_ كون علي عثمان فعل ذلك حتى لا أفوز، لا أعتقد أن ذلك صحيح.
+ لكن العلاقة بينكما على مستوى التيارات ليست على ما يرام؟
_ والله أنا أعلم تماماً إني ما عندي تيار، وعشان أبقى بيه شنو؟ أو حتى علي عثمان تيار يعمل بيه شنو؟ أما الحديث عن وجهات نظر فهذا أمر طبيعي وهنالك آخرون غير علي عثمان ونافع عندهم وجهات نظر مختلفة تماماً.
+ لماذا وجهات النظر تتمحور حول شخصين فقط؟
_ قد يكون الناس المتمحورين عندهم أسبابهم.
+ إذن أي شخص بجماعته؟
_ ما أقدر أقول ذلك.
+ أو ليست هى مراكز قوى؟
_ ليس صحيحاً، ممكن يكون في ناس عندهم رغبة يجي الرئيس، وفي ناس عندهم رغبة يجي علي عثمان
+ ثمة استقطاب أيام المؤتمرات كاد يبرز مراكز القوى تلك؟
_ لو حدثتني عنهم يكون كويس.
+ لم لا تحدثني أنت عن مركز الدكتور نافع ومركز الأستاذ علي عثمان في الجهاز التنفيذي؟
_ هل معقول في شخص جاء للجهاز التنفيذي كوزير ومع ذلك يتلقى التعليمات من شخص آخر؟.
+ أصلاً أنت تدفع بقائمة وهو يدفع بقائمة ولو بعيداً عنو الولاء يتخلق من هنا؟
_ بالنسبة للتشكيل الأخير الأخ الرئيس كتب رسمي لكل أعضاء المكتب القيادي أن يرشحوا ويرفعوا ليه، أنا رشحت كتابة ووديتها للرئيس وغيري فعل.
+ ما الذي حدث بعد ذلك؟
_ جزء منها طلع وجزء منها سقط.
+ قائمتك لم يحالفها الصواب في التشكيل الأخير، ثمة من يقول ذلك؟
_ أنا قائمتي أصلاً ما زول واحد لكل حاجة، ولكن قناعتي أن الأخ الرئيس أو أنا، أي شخص مسؤول عنده معلومات أكثر من الآخرين.
+ ما الأهم من المعلومات؟
_ أهم المعلومات فقط، أكيد عنده اعتبارات أخرى واقعية جداً في تقديم أو تأخير شخص، وهي ليست متاحة للشخص الذي يرشح وإنما للشخص الذي يختار، ولذلك ما أفتكر قائمتي سقطت أو غير ذلك، وما فاز زول ما كان له أن يفوز.
+ لو دلفنا إلى اتفاقك مع مالك عقار المجهض، يبدو أنك فاجأت العالم والداخل كثيراً؟
_ أنا ما عملت الاتفاق مع عقار عشان أفاجئ الرأي العام السوداني، والله لم آبه كثيراً من أن أعمل حاجة عشان أفاجئ بيها العالم ليرضي، ليست هذه أصلاً من اهتماماتي.
+ ما هي اهتماماتك في تلك الاتفاقية المثيرة للجدل وأنت من صقور الإنقاذ بحسب الانطباع السائد؟
_ كنت مقتنعا تماماً أن القرار حول الاتفاق مع عقار مجمع عليه بالكامل من التيم المفاوض، وعلى صلة بالداخل.
+ كيف تقيمه في ظروف ذلك الوقت؟
_ في وقته نحن رأيناه اتفاقا مفيدا، وهو في حقيقته ليس اتفاقا..
+ ما هو إذن؟
_ هو اتفاق على أجندة اجتماع لاحق، وأنا موقن أمس واليوم وغداً أنه لو انعقد حنختلف حول الأجندة دي اختلاف كثير جداً.
اليوم التالي