إذا نجحت تحركات أمريكا في إعادة السودان إلى البند الرابع الذي يعني تعيين مقرر خاص لحقوق الانسان في السودان ووضع السودان تحت الرقابة الحقوقية الدولية فإن ذلك سيعني أحد احتمالين؛ إما أن يكون السودان فعلا ً يستحق فرض الوصاية الحقوقية الدولية عليه وأن سفير حقوق الإنسان وبعثته بجنيف لا يملكون الحجة لمغالطة وتكذيب المزاعم الأمريكية حول مخالفات وانتهاكات حقوقية تقع في السودان، وإما أن هذه البعثة وسفيرها بعثة فاشلة في عملها ولا تعرف كيف تدافع عن موقف السودان عبر تقارير وحقائق كافية لنسف هذه التحركات.
ملعب جنيف من الملاعب الدولية التي تتيح الفرصة والمجال واسعاً للدولة المستهدفة من دول أخرى بإثبات سلامة موقفها والدفاع عن نفسها وعكس جهودها الإيجابية لتحسين وتطوير واقع حقوق الانسان في البلد المحدد.
إنني أرجح الآن أن (فزعة) الدبلوماسية السودانية وقلقها هذه الأيام وتحركاتها لإحباط محاولات أمريكا وضع السودان تحت الوصاية الحقوقية ستنجح ويخرج السودان من هذا المنعطف بدون خسائر، لكن وحتى تغلق الحكومة السودانية هذا الباب نهائياً وتنام ملء جفونها عن ضجيجه لاحقاً فإن عليها أن تقدم جهداً حقوقياً حقيقياً يكون ملموساً ومعكوساً بفتح المجال أمام الناشطين الحقوقيين الوطنيين والمنظمات الحقوقية الوطنية للعمل ورفع شعار (تفضلوا وابحثوا.. ليس لدينا أمر مخفي وكل ملاحظاتكم ستجد الاهتمام) والتعاون معها للكشف عن أية مخالفات حقوقية تحدث هنا أو هناك والإقرار بها والعمل على معالجتها.
ليس من المعقول ولا من الممكن أن تتبنى الحكومة الدفاع عن كل ممارسات مؤسساتها ومخالفاتها الحقوقية إن وجدت ومناصرتهم والدفاع عن كل سلوك يصدر من أية جهة رسمية أو غير رسمية.. هذا غير ممكن تماماً وغير مقنع لأحد.. يجب أن تقر الحكومة برجود بعض المخالفات فالإقرار ببعض المخالفات هو في حد ذاته يمنح حكومة السودان نوعاً من المصداقية والثقة في جديتها للارتقاء بأوضاع البلاد الحقوقية ويحسب لها في الرصيد التراكمي الإيجابي للسودان في سجله الحقوقي داخل مجلس جنيف، كما أنه وبالمقابل نجد أن مغالطة الحقائق تعظم الشكوك والظنون الدولية في حقيقة نوايا السلطة الإصلاحية للملف الحقوقي.
لا توجد تقريباً دولة في العالم خالية تماماً من المخالفات الحقوقية ولا يوجد نظام أو سلطة حاكمة في هذا العالم بريئة بالكامل من مظاهر التعدي على حقوق الإنسان بنسبة من النسب حسب ظروفها وأوضاعها السياسية.. كل دول العالم توجد بداخلها منظمات حقوقية وطنية لها مطالبها ونشاطاتها التي تمارسها لتحقيق تلك المطالب.
ولذلك فإن مبدأ الحرص من جانب الدولة على الإقرار بالتوصيات الموضوعية والاستماع إلى النصائح الدولية الموجهة لها لتحسين وضعها الحقوقي والالتزام بتنفيذ البنود والنصائح الوجيهة لإصلاح حالة حقوق الإنسان وتطويرها ليس عيباً ولا هو بالأمر المحرج للسلطة، ولا يجب أن ترتفع حساسية السلطة تجاه النشاطات الحقوقية غير المسيسة لهذا الحد حتى ولو جاءت ناقدة لها ومخالفة لهواها طالما أنها تسعى لإصلاح الحالة الحقوقية في السودان.
معالجة أزمات السودان مع جنيف تبدأ بتغيير منهج التعامل والتعاطي مع الملف الحقوقي لأن حقوق الإنسان ليست قضية سياسية والدفاع عن موقف السودان الحقوقي يقتضي تحسين المنهج الذي يدار به هذا الملف مع العالم.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.