رحل بدون مقدمات، وبدون إذن، وفي صمت شديد عن هذه الفانية الأستاذ الكبير والأب الروحي الجليل من الصحفيين.. رحل الأستاذ “شيخ إدريس بركات” المحرر الدبلوماسي بعدد من الصحف السودانية، رحل “شيخ إدريس” مخلفاً إرثاً ناصعاً في الصحافة السودانية وروحاً مرحة وصاحب قفشات مازالت ترن في آذان كل من عمل معه في صاحبة الجلالة.
الأستاذ “شيخ إدريس بركات” كنز من المعلومات والذكريات، فـ”شيخ إدريس بركات” لمن لم يعرفه من جيل الصحفيين الحديث فهو قامة سامقة في الصحافة السودانية. زامل الراحل “عبد الرحمن مختار” و”بشير محمد سعيد” و”يحيى عبد القادر” وكبار الصحفيين من المؤسسات المختلفة، وهو ابن أسرة عريقة أسرة “الأمين عبد الرحمن” بمنطقة المسالمة.
كان “شيخ إدريس” زاهداً في هذه الدنيا وفي نعيمها ولذلك وهب نفسه لها طوال الخمسين عاماً الماضية، مشى في كل دروبها وأقسامها ومجتمعها وحظي بحب المسؤولين خاصة أسرة السلك الدبلوماسي الذي أجاد استنطاق السفراء والوكلاء في القضايا الوطنية.
والأستاذ “شيخ إدريس” محب للناس ورجل اجتماعي من الدرجة الأولى، منزله كان قبلة لكثير من الصحفيين، كانت داره تستضيفهم في إفطارات رمضان. ونذكر هنا واحدة من الطرائف التي مازالت عالقة بذاكرة عدد كبير من محرري صحيفة السودان الحديث التي عمل بها بعد الإنقاذ، وفي أحد أيام رمضان قدم الدعوة لعدد من المحررين لمشاركته الإفطار بداره العامرة بمنطقة المسالمة بأم درمان، ولما كان “شيخ إدريس” يحظى بحب كل الناس انتشر خبر الإفطار معه، وقبل مغيب الشمس صعد المحررون في عربتين من عربات صحيفة (السودان الحديث) في اتجاه منزل الأستاذ الراحل “شيخ إدريس” وقتها كان قلقاً خاصة من المواعيد المضروبة، وعندما تأخر وصول الزملاء وقف أمام باب داره في انتظارهم فدخلت العربتان شارع منزله فلم يصدق وقتها أن العربتين كانتا تحملان عدداً كبيراً من المحررين لتلبية الدعوة التي قدمها لعدد محدود منهم. وما أن شاهد العربات صاح في من قدم لهم الدعوة قائلاً (جايبين لي الترحيل كله)، فضحك الجميع وأسرع إلى داخل المنزل لزيادة الطعام.
الأستاذ “شيخ: ملك القفشات وفي بداية الإنقاذ التي كان يظن أنها ستسقط خلال شهور قليلة، وقتها كان مدير قسم الأخبار بالسودان الحديث، فدائماً كان يستعجل الخروج وباعتبار ما في ما يستدعي البقاء لوقت متأخر بالصحيفة لأن النظام منهار وسيسقط. وفي إحدى الأيام وعربة الترحيل كانت تتجه إلى مدينة أم درمان ولكن في ذلك اليوم قطعت مسافة طويلة في اتجاه أنجولا إحدى مدن أم درمان في اتجاه الغرب، وحينما سأل الراحل “شيخ إدريس” إلى أين تتجه العربة قالوا له ستوصل “ود المهدي” وسأل ماذا يعمل “ود المهدي” إلى وقت متأخر من الليل، قالوا له يبقى لعمل قهوة لرئيس التحرير، ووقتها كان الأستاذ “فتح الرحمن النحاس” فانفعل. وقال له من بكرة تاني ما تجي أنا بعمل القهوة لرئيس التحرير. هذا هو الراحل “شيخ إدريس” ألا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصالحين.