المساحة اليوم مشرعة للصديق الكاتب، يوسف حمد أبو لجينة، يدون عبرها:
“سيرة الملك جرقل”
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعتُ عن قصص المغنين والمؤلفين الموسيقيين السودانيين؛ فاضرب لي مثلاً من العازفين الحاذقين الواجب على الناس معرفتهم، ووضعهم في مقام الاحترام. فقال بيديا الفيلسوف: في يومي هذا لا أدلك إلا على رجل موسيقي بارع، لكنه دفع استحقاقات التواضع بكل فداحة، ويكاد يلفه النسيان، إنه عازف الإيقاع العظيم، المرحوم جعفر فرح إبراهيم، الشهير بجعفر حرقل (توفي في العام 2004م) يا سيدي الملك دبشليم، وقد ترك لنا إبداعه الجميل، من ثم ورطة عظيمة، هي ورطة توصيفه كما طلبت يا سيدي. ولاشك أنك تعرف حرقلاً وطربتَ له، رغم أنك كنت مشغولاً بأمر رعيتك، لكنه لم يجد أذن الاعتبار الصاغية لدى الكثيرين؛ فما أعظم أسفنا عليه حين مضى دون أن يكلم الناس إلا بنقرات أصابعه وكفه الماهرة.
وحتى أُعينَ سيدي الملك على تذكُّر حرقل بوضوح، أرجو أن يستعيد من خاطره ضربات الإيقاع المتقنة في الحفل الشهير الذي أقامه الفنان وردي في عاصمة الحبشة، منتصف التسعينيات، ولن يعتور ذوق سيدي الملك دبشليم المرهف ما يحرمه من التمتع ببراعة حرقل الذي عزف على عدة قطع إيقاعية في وقت واحد من حفله ذاك. وإذا عزَّ عليك أمر الإستعادة، فدونك خادمك المطيع (قوقل)، لكن ليس خليق برهافتك وموسوعيتك في الغناء أن تنسى جمال التشكيلات الإيقاعية المصاحبة لأغنية (بناديها) حفلئذٍ.
ولو مضينا أبعد من عاصمة الحبشة لأشرت على مولاي دبشليم أن نسهر سوياً، هذا المساء، لنسمع أغنيات: “بتتعلم من الأيام، وأنا سلمتو قلبي، وعيال أب جويلي” حين غناها محمد الأمين في حفل ما، أقامه بعاصمة القطريين الدوحة، ثمانيات القرن الماضي؛ فقد أبدع فيها حرقل كما لو أنه يعزف بعشرين يد على عشرين طبل. وربما فات عليَّ أن أحدث مولاي دبشليم بما تواتر من أخبار العازف حرقل العظيم، فقد رويَّ أنه هو من أدخل العلبة الثالثة على آلة (البنقز)، وهي العلبة التي تُغطى بالبلاستيك المستخدم لطباعة صورة الأشعة، هذا بعد أن توطَّن البنقز بين يدي المرحوم خميس جوهر الذي استخدمه لأول مرة بالأوركسترا السودانية في الخمسينيات من القرن الماضي، والله أعلم.
وليسمح لي مولاي أن نطلب إلى أصحاب الاختصاص إفادتنا بشأن هذا العازف البارع جعفر حرقل.