القرار الصادرaman من مجلس الأمن والسلم الأفريقي رقم 539 بتاريخ 25 أغسطس الماضي خطير ومفخخ في كل بنوده الثلاثين، لذا يجب التعامل معه بمرونة وذكاء وجدية وصدق وحكمة.. قبل الدخول في تحليل مواد القرار يتحتم علينا أن نسدي النصح الخالص لله، والمشفق على مستقبل السودان وسلامة مواطنيه، عملاً بأن الدين النصيحة، والساكت عن الحق شيطان أخرس- نقول وبالصوت العالي إن الحوار الحالي لن يحقق أي انفراج في أزمات السودان بل سيعقد الأزمة، إذ أن الجالسين في الحوار
الآن من جانب المعارضة لا يشكلون ولا يمثلون أكثر من نصف مليون مواطن من تعداد السودان- البالغ الآن ستة وثلاثين مليوناً- ئوالشريحة المؤثرة فيه بعد استبعاد من هم دون الثامنة عشرة وعددهم ثلاثة عشر مليوناً أي أن المؤثرين في المجتمع والسياسة السودانية يبلغون ثلاثة وعشرين مليوناً- (هذه الأرقام مأخوذة من تعداد السودان لعام 2008م البالغ حوالي ثلاثين مليوناً، وزيادته بواقع ثلاثة في المائة في العام وهو المعدل الإحصائي المعترف به مضروباً في 7 سنوات، وإضافة من كانوا في عمر أحد عشر سنة والمواليد الجدد محسوبون في نسبة الثلاثة في المائة)، عضوية المؤتمر الوطني الملتزمة تماماً الآن وحسب إحصائيات الانتخابات الأخيرة تبلغ حوالي مليونين ونصف.. ونصف المليون المتبقي المرصود لأحزاب المعارضة داخل الحوار قياساً على غياب حزب الأمة القومي بعضويته الكبيرة ومشاركة الاتحادي الديمقراطي المتشظي بأضعف فصائله، وباقي أحزاب المعارضة قليلة العضوية عليه يكون المشاركون في الحوار الآن يمثلون حوالي ثلاثة ملايين من أصل ثلاثة وعشرين مليوناً- أي أن عشرين مليوناً غير مشاركين أو ممثلين- من هؤلاء العشرين مليون ما لا يزيد عن اثنين مليون أعضاء ملتزمون في أحزاب مثل حزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث بفصائله الأربعة، والاصلاح الآن، والمؤتمر السوداني، والأحزاب الاتحادية وباقي الأحزاب الأخرى الجديدة، بقية المواطنين المؤثرين يكون ثمانية عشر مليوناً يمثلون منظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية، والجالسين على الرصيف وهم غير راضين عن الانقاذ ولكنهم (مجبورون)- كما وصفهم قيادي بالمؤتمر الوطني- بأنهم مثل المريض الذي يخبره الطبيب بضرورة بتر رجله قطعاً يكون غير راضٍ ولكن مجبر للتعايش مع قرار الطبيب- هؤلاء الجالسون على الرصيف وغير راضين بواقع السودان الآن- وهم أغلبية- جاهزون وقابلون للتأثر بخبرات أحزاب قليلة العضوية بالغة التأثير وتحريك الجماهير بحكم الخبرة والتجارب السابقة منذ الاستعمار مثل الحزب الشيوعي السوداني، وفصائل أحزاب البعث العربي، وشباب أحزاب الطائفتين.
نعود الى قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي مذكرين بأن قراراته تصدر بنفس رقم الجلسة، فهو قرار ملزم وليس مذكرة أو وقائع اجتماع.. مقدمة الاعلان الصادر من المجلس تقول:
(مجلس السلم والأمن الأفريقي للاتحاد الأفريقي في جلسته رقم 539 في 25 أغسطس 2015م اتخذ القرار الآتي نصه فيما يتعلق بنشاط الآلية العليا بشأن السودان وجنوب السودان) والقرار صدر في ثلاثين بنداً, لكن قبل تسليط الضوء على البنود المفخخة يجب أن نلاحظ الربط المتواصل في الآونة الأخيرة بين مشكلتي السودان وجنوب السودان، الملاحظات المهمة وخطيرة هي:
أولاً: المادة السادسة تشير الى أن تقرير لجنة الاتحاد الأفريقي حول دارفور في أكتوبر 2009م يشكل أساساً لسياسة الاتحاد الأفريقي حول السودان، والتي تتلخص في أن الأزمة السودانية في دارفور لا يمكن حلها إلا بطريقة شاملة في إطار عملية وطنية شاملة تخاطب تحديات السودان بمافي ذلك تحدي إرساء الديمقراطية، وفي هذا يتمثل الفخ الأول إذ تعني هذه المادة وبالضرورة أنه لا توجد الآن في السودان ديمقراطية بالرغم من إجراء انتخابات عامة مرتين في 2010 و2015م والتي لا يعترف بها الاتحاد الأفريقي حتى اليوم- حسب هذا البند من قراره الأخير.
ثانياً: في المادة (12) يشير القرار الى أن مشكلة المنطقتين تعد مظهراً من مظاهر أزمة السودان يجب حسمها وفق مسودة الاتفاق الاطاري في ديسمبر 2014م.
ثالثاً: المادة (13) تشير الى اجراء مفاوضات واحدة في مسارين لإنهاء جميع الصراعات العنيفة في السودان.
رابعاً: المادة (14) وهي الفخ الثاني الذي يشير الى خيبة أمل وقلق عميقين من مجلس السلم والأمن الأفريقي لعدم حل التحديات الأساسية للأمة السودانية، وعدم احراز تقدم كاف في تنفيذ خارطة طريق الحوار الوطني وفي الجهود المبذولة لإنهاء الصراعات طويلة الأمد في السودان على الرغم من قرارات المجلس وتشجيعه والجهود غير المسبوقة التي ظلت تبذلها الآلية الأفريقية على مدى ست سنوات، فضلاً عن الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي.
خامساً: المادة (15) وهي الفخ الثالث والأكبر والأخطر إذ تشير الى ضرورة حل المشكلة السودانية حفاظاعلى الأمن والسلم في المنطقة والقارة، وأن على حكومة السودان يقع العبء الأكبر والمسؤولية لقيادة حوار وطني جاد ذي مصداقية وشامل يفضي الى تحول ديمقراطي في السودان- الفخ هنا ربط الأمن والسلم الاقليمي والدولي بحل مشكلة السودان وهذا هو المحرك الرئيسي الدولي لإعمال الفصل السابع، وزاد الفخ بتحميل حكومة السودان كل المسؤولية لما سيحدث سلباً أو إيجاباً ويكرر القرار ما جاء في المادة السادسة بضرورة التحول الديمقراطي.
سادساً: المادة (16) أو الفخ الرابع تقول يعبر المجلس عن قلقه البالغ إزاء الصراع الدائر والأزمة الانسانية في دارفور والمنطقتين بما في ذلك انتهاكات القانون الانساني ذات الصلة بالنزاع، ويدعو الى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وهو الفخ الذي به يتدخل مجلس الأمن الدولي بالفصل السابع الذي فيه عقوبات اقتصادية مقاطعة، وحظر طيران ثم تدخل فعلي.
سابعاً: المادة (19) وهي الفخ الخامس تقول المادة: (يحث المجلس الأطراف السودانية وعلى نحو خاص حكومة السودان على إظهار الموقف القيادي المطلوب والالتزام مجدداً بالاجراءات اللازمة للوصول الى الهدف المتمثل في تحقيق التحول الديمقراطي في السودان، خاصة من خلال اجراء حوار وطني شامل وشفاف وذي مصداقية للجميع ومعد له بشكل ملائم، ويعرب المجلس عن قناعته بأنه من دون احراز تقدم حول القضايا أعلاه لا يمكن التغلب على التحديات الكبيرة التي يواجهها السودان بما في ذلك الأزمات الإنسانية)- الفخ هنا تكرار التحول الديمقراطي للمرة الثالثة واجراء حوار بمواصفات تختلف عن الحوار الحالي ثم التركيز في ختام المادة على الأزمات الإنسانية وهي المدخل الرئيسي للتدخل المباشر.
ثامناً: المادة (20) فقرة (1) تقول: (يدعو حكومة السودان الى الامتناع عن أي أفعال من شأنها أن تقوض الثقة في العملية ويعرض الى الخطر إمكانية إجراء حوار وطني شامل للجميع وذي مصداقية)- الفخ السادس هنا اتهام مبطن للحكومة وتحذير من إفشال الحوار الوطني بمواصفات الاتحاد الأفريقي.
تاسعاً: المادة (20) فقرة (2) تقول: (يكرر المجلس مجدداً دعوته الى اجتماع عاجل يسبق عملية الحوار الوطني يضم جميع الأطراف المعنية في مقر رئاسة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا لمناقشة المسائل الاجرائية المتعلقة بالحوار والاتفاق عليها) وذلك الفخ السابع- كل ذلك على أن تقدم الآلية العليا تقريرها النهائي عن ما حدث سلباً أو إيجاباً في فترة تسعين يوماً من تاريخ القرار.
عليه سيكون القرار539 قراراً خطيراً به فخ كبير من سبعة أوجه كما أوردنا وكلها في مقدور الحكومة تجاوزها
بالمرونة الاستراتيجية المؤدية للحلول العملية، التي تحفظ السودان ومواطنيه من التدخل الأجنبي الذي تعقبه الفوضى المدمرة والسودان الآن في أخطر منعطف.
والله الموفق.
م/ عمر البكري ابو حراز
صحيفة الصيحة