حالة غلاء فاحشة وغير محتملة ضربت الأسواق خلال الأسابيع الماضية في جميع ولايات السودان، زادت من وتيرة معاناة المواطن المتزايدة كل صباح .
في بلد ترتع في بواديه أكثر من (120) مليون رأس من المواشي، يبلغ سعر كيلو اللحم البقر – العجالي في الخرطوم (55) جنيهاً، والضأن (70) جنيهاً، ولا ضابط ولا رابط .. ولا سائل ولا مسؤول !!
في السودان ابتذل الجميع – حكومة ومحكومين – عبارة (السوق حر)، فحرروا الأسعار لا كما يحررها سادة الاقتصاد الحر في أوربا وأمريكا واليابان، بل كما يتناسب الحال مع مجتمع فوضوي يفعل فيه كل امرئ ما يريد !!
يقذف صاحب (البرادو) و(الكروزر) بقارورة المياه الفارغة على الأسفلت، وهو يتمطى على المقعد الوثير، فيتبدى قبح ماله في سلوكه البدوي، أو كما قال أحد أعمامنا هاجياً ثراء آخر لم يحسن التعامل مع النعمة : (بالله .. شوف شناة الغنى في الزول دا) !!
وقد تجد بدوياً آخر في وسط الخرطوم يرفع ساقيه على (طبلون) السيارة وهي تسير بين الناس في سلوك همجي بربري، كناية عن إحساسه بالتمدد، ولا يدري أنه يصبح مثار تندر وسخرية من كل ذي ذوق سليم .
وبدوي رابع وخامس وعاشر تصادفه كل يوم وهو (يركن) سيارته في المكان الخطأ، فيسد الطريق على السيارات والمارة، وتجده يقبع داخلها لا مبالياً وقد يردد: ( ياخي المسافة دي بتمررك .. امشي) !! ولم يسأل نفسه: (ولم الضيق؟! لماذا تضيق على الناس واسعاً ؟!).
وفي خضم مجاميع الفوضى الثابتة والمتحركة في بلادنا، ترتفع الأسعار كل (24) ساعة، ولا وزير يسأل ولا (والي) يراقب أو يضع من النظم واللوائح والأوامر المحلية ما يحمي عامة المواطنين من (التجار) الجشعين .
ما من سبب أصلاً يجعل كيلو اللحم (70) جنيهاً وسعر الخروف في “نيالا” و”الجنينة” خمسمائة جنيه !! انتهت الآن الرسوم غير القانونية التي كانت تحصل في الطريق من دارفور وكردفان إلى الخرطوم، أو ينبغي أن تتوقف، وإلا فليبلغ اتحاد الرعاة وغرفة مصدري المواشي الجهات المختصة في وزارة المالية عن الولايات والمحليات والجهات الأخرى المخالفة، ليودعوا السجون كما أمر بذلك السيد رئيس الجمهورية .
لماذا نستورد (الجبنة البيضاء) من السعودية ليصل سعر الكيلو إلى أكثر من (50) جنيهاً !! هل في السعودية (120) مليون رأس .. هل السعودية دولة زراعية تجري على أرضها الأنهار والخيران ؟!
دستة (المنقة) بـ(90) جنيهاً، وهي مزروعة هنا في الشمالية وكسلا وسنار ؟!
لو تركت الحكومة الأسواق هكذا (عايرة)، لاندلعت قريباً في الخرطوم (ثورة الجياع)، حيث لا ينفع يومها حوار وطني أو ما وطني، في الداخل أو في الخارج.
لقد كتبنا من قبل في هذه المساحة أن حاوروا المواطن .. حاوروا (قفة الملاح) قبل أن تحاوروا حركات دارفور وقطاع الشمال .
وقفة الملاح ليست الخبز وحده .. ليست القمح والدقيق .. فهل (يقرض) المواطن العيش حافاً ؟! أم أنه يحتاج لنص كيلو عدس ونص كيلو طماطم ودكوة وزيت ؟! بكم كيلو الطماطم .. بكم رطل الزيت .. بكم كيلو العدس ؟!
على السادة ولاة الولايات .. خاصة (والي الخرطوم) .. أن يعودوا عاجلاً غير آجل لإصدار أوامر محلية صارمة بتحديد تسعيرة السلع الأساسية؛ اللحوم الحمراء والبيضاء .. الخضروات .. الفواكه .. الزيوت .. الألبان .. بذات الطريقة التي حددت بها الحكومة سعر جوال الدقيق وسعر الرغيفة .. والعاوز يشتغل بعد داك جزار ولا يبيع طماطم يشتغل . الما عايز يمشي السعودية..
كفانا فوضى واستهتار .. وغياب تام للحكومات الولائية عن هموم الشعب الأساسية وانشغالها بالهوامش .
أهم حاجة قوت المواطن ..
لا بد من تحديد الأسعار ومراجعتها شهرياً ..
والغريبة أن حكومة الولاية تضم وزارة اسمها المالية والاقتصاد وشئون المستهلك !!
وينها شئونو .. يا عباد الله ؟!