عند تجاوزك لشارع «الستين – بشير النفيدي» ذائع الصيت بالخرطوم شرق وفي الطريق المؤدي شرقاً إلى حي الفردوس تقع عيناك في شارع رئيسي على لافته منصوبة كتب عليها مسجد «أم سلمة»، واللافت أن المسجد يتقاسم منزلاً سكنياً المساحة – وبالطبع لن يخالجك شك في أن صاحب الدار أراد أن يكون له منزلاً في الفردوس الحقيقية وإلا لما فعل مافعل .. وعندما تعرف صاحب المنزل وهو «ود» أم سلمه تدرك سريعاً أنه بحث عن الجنة منذ سنوات في أحراش الجنوب، بل في كل مسارح العمليات.. هو الوزير السابق المهندس الصادق محمد علي الشيخ.
لم يكن غريباً أن يضم والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، في حكومته الجديدة وجوهاً من المجاهدين أمثال الصادق، معتمداً لمحلية بحري ، ووزير الشباب والرياضة اليسع صديق التاج، ظل وثيق الصلة بهم من خلاله منصبه السابق وزيراً للدفاع فهم جندوه وكانوا تحت إمرته ، ولا يخالفونه الرأي – بطبع المجاهدين. لكن الصادق خالف «التعليمات» هذه المرة، واعتذر بلطف لقائده عبد الرحيم عن تولي المنصب، وكان القرار مفاجأة لكثيرين أبرزهم الوزير اليسع الذي قال لي: «الصادق دائما بنلقاه قدامنا منذ زمن العمليات وكنا نتمنى أن يكون معنا».
لا أحد يذكر الصادق إلا ويجيء بسيرته مقرونه بمتحركات الجهاد، فالرجل الذي تخرج من كلية الهندسة، قسم الكهرباء، بجامعة السودان بعد نحو عامين من وصول إخوانه إلى سدة الحكم، وبدأ يدافع عن الإنقاذ منذ قيامها وهو طالب بالجامعة، وكان من قيادات التنظيم ورئيساً لاتحاد الجامعة.. وغادر بعدها إلى الاتحاد الإسلامي، وقام بتأسيس منظمة رعاية الطلاب الوافدين في العام 1994 وظل على رأسها لمدة أربع سنوات وعمل متطوعاً بمنظمة الدعوة الإسلامية.
يقول مقربون منه إنه لم يهمل دراسته رغم انشغاله بالتنظيم، وقد أوصت قيادات في الحركة الإسلامية بمواصلته لدراساته العليا في ماليزيا، حيث نال درجة الماجستير في الفترة من «2000- 2002» ، لكن أحد أسباب التوصيه إبعاده من أجواء مفاصلة الإسلاميين الشهيرة والتي هزته بشكل عنيف، وهي الرواية التي سمعتها من قبل من وزيرة الرعاية مشاعر الدولب.. عاد من هناك والتحق بوحدة تنفيذ السدود، التي عمل فيها حتى العام 2010م، وكان طبيعياً بعدها أن يعين وزيراً للدولة بالكهرباء والسدود لمدة عامين، وإن لم تخلُ فترته من انتقادات وجهت للسدود وللوزير السابق أسامه عبد الله.
أبلغ وصف للصادق محمد علي هو ما قاله الكاتب الإسلامي المجاهد عبد الماجد عبد الحميد، إذ أصبغ عليه صفة «الرجل الصامت» وقال لـ«آخر لحظة» مساء أمس: «الصادق حديثه العمل». وإتفق عبد الماجد مع اليسع بأن ضيفنا تجده «قدام الناس وقت الحارة»، وقد أنجز كل خطوط النقل الخاصة بسد مروي.
لكن «وقت الحارة» الحقيقي الذي كان يوجد فيه الشيخ عند استنفار المجاهدين، ومعلوم عنه مشاركته في جل متحركات العمليات منذ «الخرساء» و«مقدمة الأهوال»، وشهد تحرير توريت الأول والثاني، وحتى عندما كان وزيراً شارك مع إخوانه في تحرير هجليج وكان أميراً عليهم، و تطابق ذات الأمر عند تحرير أبو كرشولا، والتي شارك فيها الوزير اليسع صديق التاج -وهي المعركة التي استشهد فيها المهندس دفع الله الحسين.
وتقول ابنة أخت الشهيد دفع الله الزميلة بالغراء الرأي العام، رقية الزاكي، في حديث سابق لها معي بحكم صلتي بها وبالشهيد دفع الله في تعليقها على الصادق محمد علي:
«أحسست أن الصادق رجل مختلف وأنه شخص وفي بمعني الكلمة». وسبب منح رقيه له، صك «الوفاء»، أنه فرغ من كتاب عن سيرة الحسين موسوم بـ«رائد التغيير والإصلاح وأسطورة الجهاد».
الوزير المجاهد اليسع أبدى تحسره على اعتذار الصادق عن منصب المعتمد، لكن الحسرة كانت أكبر بفقد الجزيرة له، إذ كان وزيراً للتخطيط العمراني في حكومة الجزيرة السابقة، بحسب زميله، معتمد الكاملين السابق ، نائب المنسق العام للخدمة الوطنية الشاذلي مصطفى محمد علي، والذي باهى بما أنجزته حكومة الجزيرة في عهدهم، و وصف ماتم من عمل بالكبير وقال : «الأخ الصادق أنجز أكبر مدينة سكنية بحاضرة الجزيرة في مساحة أكثر من خمسة مليون متر مربع، والتي ستتسع لـ(40%) من سكان ود مدني وهي أكبر مدينة سكنية تنفذها الإنقاذ».
ومهما يكن من أمر ظل الصادق ملبياً للنداء وجندياً في صفوف الإنقاذ، كما يقول، ولكنه خالف التوقعات بمخالفته أوامر الفريق أول عبد الرحيم حسين.
الخرطوم: أسامه عبد الماجد :أخر لحظة