يقول سنجور: إن ايقاع التام تام – أو ما نسودنه نحن بـ (التم تم)، ليس مجرد قرع طبول، بل هو منظم دقيق لأوقات العمل واللهو والراحة، وهو مظهر من مظاهر حضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف عام، بينما الحضارة الأوروبية لم تبدأ إلا مع عصر النهضة في القرن السادس عشر، في المجتمع الأفريقي، ليست الموسيقى فناً قائماً بذاته، فقد ولدت، أصلاً لمصاحبة الأغاني والرقص في الطقوس الدينية (الروحانية)، أما في المجال الدنيوي فهي تتخذ مكانها الطبيعي في الأنشطة الجماعية، كالمسرح، وأغاني العمل في الحقول، وتصاحب مباريات المصارعة كما تقرع الطبول إيذاناً بحلول الليل، لم يكن هدف الموسيقى أن تكون تعبيراً جمالياً، لأنها تأخذ أتباعها لتقودهم إلى أقصى درجات المشاركة الجماعية، في حلبة الرقص.
والتام تام (تم تم) إيقاع انطلق من منطقة واسعة (دلتا النيجر) إلى أرجاء كثيرة، كما ذكرنا في غير مرة، ومن مرتفعات الكاميرون في (غرب القارة) مع عمال الزراعة إلى مزارع قصب السكر في موريشيص أقصى جنوب شرقها، وعلى ظهور الدواب واللواري عبر الحدود المفتوحة إلى ما يعرف الآن بالسودان في مرحلة متأخرة نسبياً، إلا أن هذا التثاقف الذي يحدث بين الشعوب عبر عمليتي الحراك والإزاحة المستمرتين، لم يقتصر على أفريقيا وحدها، فقد غادر منها إلى (أقاصي الدنيا) إلى أوروبا والأميركتين، وبالضرورة إلى الشرق الأوسط، وهذا أقرت به الباحثة الفلسطينية (ماري عابودي) من مركز تطوير الإعلام جامعة (بيرزيت) تحت عنوان (أفرو- دبكة.. رقص مهجن من فلسطين والكاميرون)، إذ كتبت: حركات راقصة، مزيج بين الرقص الفلكلوري الفلسطيني، والرقص الفلكلوري الأفريقي، وبالتحديد الكاميروني، تتناغم على إيقاعات وموسيقى فلسطينية – أفريقية، تعبر عن أوجه كثيرة من التشابه، فمثلا، في الرقص الأفريقي، الحركات مستوحاة من شيء ما كالزراعة والحصاد، أو المطر، وهكذا الأمر في الدبكة الفلسطينية. كما تبين أن النوعين من الرقص يحتاجان لطاقة وحيوية عالية، وأن أساس الاهتمام بهذا الرقص، هو أن الأفارقة عانوا كثيرا من الاضطهاد، كما يعاني الفلسطينيون، وبالنسبة للطرفين، فهو نوع من أنواع المقاومة، والتفريغ عن النفس. أما التشابه في التكنيك، فيظهر في الاعتماد بشكل أساسي على الإيقاع والقدمين، مع وجود بعض الاختلافات البسيطة، ففي الدبكة الفلسطينية، (اللويح) هو من يقرر ذلك، أما في الرقص الأفريقي، فعازف الإيقاع هو من يتحكم في تغيير الحركات.
وفيما تحاول شعوب العالم كله أن تقترب من بعضها بالبحث عن مشتركات ثقافية واقتصادية وسياسية، يظل جل (مثقفينا) منخرطين في تعزيز وتكريس ما يجعلنا منفصمين ومنفصلين على الدوام من محيطنا القريب، وربما من أصول ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، إما بنسبتها إلى (جغرافيات) قصية، و(فضاءات) بعيدة، وإما بالتنصل عن (جذورها) الحقيقية وإنكارها تماماً، فيما تأتي تلك الجغرافيات القصية إلى ذات الأمكنة التي نهرب منها لتنتسب إليها، وهي فخورة مرفوعة الرأس تحتفي بالآفرو – دبكة، بينما نحن نقتلع جلودنا من أجسادنا ونقسو على أنفسنا أكثر مما يجب، ولكن (من وليك أين المفر؟!).