علا الفارس : أشتاق الحياة

تجول بنا الحياة في صور مختلفة، وأطوار متعددة، ومراحل مغايرة، وكلٌ منّا له منظاره الذي يرى به، وزاويته التي يتأمل منها، ونحن جميعاً في هذا الطريق ننشد شيئاً واحداً، وهو أن نكون في حياتنا سعداء، لكن هذا الهدف يختلف تحقيقه من إنسان لآخر، فمنا من يرى العطالة والجلوس والراحة سعادة، ومنا من يرى المال ووفرته سعادة، وهناك من يرى أن القناعة والكفاف بما هو بين يديه سعادة، أو السفر والترحال سعادة، ومنهم من يراها في سكنى القصور الفارهة وكماليات الحياة، ولكل إنسان مذهب فيما يراه من غايات وأهداف أخرى.

وبالنسبة لما رأيته بعيني ومن واقع تأمل كثير من الشرائح ممن حولي؛ فقد سافرت لأغلب البلدان، وعايشت فئات كثيرة من الناس، خلصت إلى أن السعادة لا ترتبط بالمال ولا الشهرة ولا المنصب، بل هي شعور نعيشه وحالة ذهنية نؤمن بها ونمارسها، وأذكر تلك الطبيبة الأسترالية بروني ويير التي ألفت كتاباً عن حياتها بعد تقاعدها من الطب وكبر سنها، وذكرت فيه خمس أمنيات لو استطاعت أن يعود الزمن لتستدركها، لأنها في نظرها هي الحياة الحقيقية والسعادة الخالصة، فانظروا إلى أمنياتها التالية:

1 – لو خصصت وقتاً أطول لعائلتي وأصدقائي ومن أحبهم، بدل ضياع عمري في روتين العمل المملّ.

2 – لو كانت لدي شجاعة لأعبر عن مشاعري وآرائي بصراحة ووضوح، ولا أكتم قناعاتي لإرضاء للناس.

3 – لو عشت لنفسي كما أريد، لا كما يريد الناس.

4 – لو بقيت على اتصال مع أصدقائي القدامى.

5 – لو أدركت مبكراً معنى “السعادة” الحقيقي، فهي حالة ذهنية لا ترتبط بالجاه ولا المنصب ولا المال ولا الشهرة.

من كتابها the top five regrets of the dying

هذه أمنياتها، على أنني ما حادثت أحداً من أهل الخبرة في الحياة والنجاح أو من كبار السن إلا ورأيته حول هذه العناصر يدندن، وقبلها الإيمان بالله وتعظيم شعائره.

أتذكر صورةً من تلك الصور عند سفري لبلدي الأردن، إذ ينتابني شعور من السعادة لا أجده في مشارق الأرض أو في مغاربها، ولا في قصور المعمورة ولا منتجعاتها ورفاهيتها، شعورٌ أساسه روح الحياة ونكهتها وطعمها، في طبيعة الأشخاص وبساطتهم والفطرة التي ولدوا عليها، في جارٍ لمنزلنا يستقبل نهاره مبتسما، وأصدقاء بعيدين عن التصنّع، وأسلوب حياة لا يغيب عنه الصدق والنقاء والتعاون واللطف..

ربما غدوت باحثة عن البساطة في كل شيء لأجد سعادتي وابتسامة الروح مع أصدق من عرفت من أصدقائي القدامى هناك، وذكرياتي الجميلة وأحداث يومي المريحة هناك..

ربما حالفني الحظ وأدركت مبكراً معنى “السعادة” الحقيقي، فهي حالة ذهنية لا ترتبط بالجاه ولا المنصب ولا المال ولا الشهرة، ولا أخفيكم منذ أن أدركت أصبحت فعلاً.. أشتاق الحياة.

Exit mobile version