“نصف ما أقوله لك لا معنى له .. لكني أقوله لعل النصف الآخر يبلغك” .. جبران خليل جبران!
(1)
هل تعادي إسرائيل السودان للقبول الشديد الذي يحظى به في العالم العربي والإفريقي؟! .. ولقوته الدينية الصلبة التي تحبط معنوياتها الهشة المستندة على القوة المادية؟! .. وبالتالي فهي لا تستطيع التعامل مع إحباطها بضبط النفس فتتهور بالتفنن في المبادرة بالعداء؟! .. طيب! .. باعتبار أن القوة السياسية الحقيقية هي التي ترد كل شيء إلى الشريعة الإسلامية .. هل هذه الحكومة قوية فعلاً بتمسكها بتطبيق الشريعة كما ينبغي لذلك أن يكون؟! .. وما هو تطبيق الشريعة الإسلامية إن لم يكن تحقيق العدالة والمساواة؟! .. وهل دولة الشريعة هي التي تروج لزواج القاصرات وتتشدد بشأن الملبس الذي قد يخدش الحياء، ثم تغض الطرف عن جرائم الفساد وانتهاك المال العام؟! .. هل دولة الشريعة هي التي تتفرس في ملابس البسطاء، وتدقق في أفعال الفقراء، ثم تغض الطرف عن تجاوزات المسئولين وفظائع المحسوبين على الحكام من الأثرياء والمترفين ..؟!
(2)
ماذا فعل الله بتلك الأحاديث المرسلة عن ضرورة تطبيق مبدأ اختيار التوظيف بمعيار القوة والأمانة وإعمال مبدأ الشفافية والعدالة دون محاباة باسم حزب أو قبيلة أو جهة، ومراعاة عدالة التوزيع وأهمية تطبيقها بشفافية”؟! .. أين المتحدثون الأفاضل والمستمعون الكرام من مظاهر أبلسة الآخر، وتعميق نعرات الصفوية القبلية، وأوهام النقاء العرقي؟! .. وكيف لدولة ـ تقتات مشاريعها السياسية وتتغذى أجهزتها التنفيذية على مثل هذه المفاهيم ـ أن تنجح في تطوير أجهزتها الحكومية وخدماتها المدنية بعيداً عن لعنات القبلية وأوهام الأفضلية العرقية؟! .. ثم ما جدوى الحديث عن تطوير الخدمة المدنية وتنمية العنصر البشري وما نزال مهباً لكل مظاهر الجهوية والمحسوبية ..؟!
(3)
هل تقبل المرأة – في مجتمعنا – أن يتزوج زوجها من أخرى مع احتفاظه بها؟! .. وبافتراض أنها لا تقبل فهل تنكر ذلك على صديقتها التي فَعَلت؟! .. هل يرضى الرجل – في مجتمعنا – بأن يكون القرار النهائي في مشكلة أسرية لزوجته؟! .. وإن كان لا يقبل هل ينكر ذلك على جاره الذي يفعل؟! .. هل يتسامح الجد في أن يسمي أنسباء ابنه البكر حفيده الأول؟! .. وإلى أي مدى قد يشارك الأب ابنه أو ابنته في اختيار الزوج المناسب؟! .. وهل توافق الأم على خيار ابنها أو ابنتها، في حال اختلف عن خيارها مع توافر الصفات الأساسية التي يشترطها الدين في المخطوبة أو الخاطب ..؟!
الإجابات النموذجية على الأسئلة أعلاه تقتضي أن نجتهد أولاً في تفكيك استهبال الشعب، حتى نستوعب استعباط الحكومة! .. فتطوير مفهوم الحكم الرشيد في السودان يحتاج حساً براغماتياً في تقييم أزمات، ومطبات، وعلل، وأوجاع، ومزالق، ومهالك واقعنا الاجتماعي ثم السياسي، وهذا يعني ـ من الآخر ـ أن نجتهد في زراعة الناخب، قبل أن نشترك في صناعة الحاكم ..!
(4)
هناك فرق ـ بطبيعة الحال ـ بين (التَغيُّر) و(التَغيير)، فالأول ينبع من ذات الشئ، والثاني يأتي من خارجه، لذا فنجاح أي تحول ديمقراطي يعتمد أولاً على كون الديمقراطية مطلباً شعبياً وليس وسيلة جماهيرية، وبهذا المعنى يكون غياب الديمقراطية وحدها غير كافٍ لإحداث تحول، بدليل أن بعض أنظمة الحكم العربي تشهد استقراراً سياسياً لأن شعوبها تعيش في رفاهية .. إذاً، يبقى المعيار الحقيقي، بعيداً عن المسميات، هو نجاح السلطة ـ أي سلطة ـ في توفير الحقوق الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، في ظل تعايش ديني، وتعددية إثنية، وسلام اجتماعي .. وإلا فـ على الشرع السلام ..!
هناك فرق – آخر لحظة