اعتبرت المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة سامانثا باور أن عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة خصصها لبحث حقوق المثليين جنسيا واضطهادهم على أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق جرى في لحظة «تاريخية»، وتكرر وصف الاجتماع بالتاريخي في أغلب وسائل الإعلام التي نشرت أو بثت الخبر.
واستضاف الاجتماع «التاريخي» مثلياً سورياً يدعى صبحي النحاس (الذي يظهر في الصورة المرافقة للموضوع مع المندوبة الأمريكية) كشف للحضور إن «المثليين في الدولة الإسلامية يلاحقون ويقتلون على الدوام»، وأن التنظيم «يرمي المثليين من أعلى المباني الشاهقة، أو يضعهم في ساحات عامة حيث يرجمون بالحجارة من قبل جموع غفيرة من الناس بمن فيهم الأطفال، كما لو أن المشاركين في عملية الإعدام هذه يحضرون حفل زفاف».
أما الشاهد العراقي فأضاف جوانب جديدة على المسألة كاشفاً عموميتها وأنها ممارسة رسمية لاضطهاد المثليين حيث بين أنه كان ضحية معاملة وحشية تعرض لها على أيدي القوات العراقية قبل أن يسيطر تنظيم «الدولة» على مدينته، وعندما وصل التنظيم «فرّ من المدينة خوفاً من أن تسلمه عائلته إلى التنظيم المتطرف».
وتحدثت في الجلسة مديرة اللجنة الدولية لحقوق المثليين والمثليات جنسيا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» تبنى إعدام ما لا يقل عن 30 شخصا بتهمة قيامهم بـ»عمل قوم لوط»!
يحتاج تفكيك الخبر ودلالاته مجلدات بحثية لأنه يخلط قضايا سياسية واجتماعية معقدة ويحوّلها إلى نوع من الفضيحة الإعلانية التي تجمع بين المهزلة والمأساة، ولكن لا بأس، في هذه العجالة، من حكّ بعض النقاط البارزة:
يكشف الحدث بداية عن خطاب غربي متأصل وعتيد يقوم على إعلاء منظومته الاجتماعية والأخلاقية وشهرها كسلاح في وجه الآخرين الذين لا يشاركونه القناعة بهذه المنظومات لأنهم «متخلّفون ورجعيون ولم يدخلوا عصر الحداثة الإنسانية بعد»، وهو، في أساسه، موقف سياسيّ بامتياز، ويتعارض في حقيقة الأمر مع مزاعم العلوّ الحضاري والأخلاقيّ.
والواقع أن وظيفة هذه الادعاءات الحقيقية، ليس الدفاع عن حقوق المثليين، أو حقوق الإنسان، بل خدمة آليات التحكم والسيطرة الغربية من خلال خفض الرأسمال الرمزي لمعتقدات الآخرين وأديانهم وأعرافهم الاجتماعية والقانونية، وهي آليات يفرضها الغالب على المغلوب، كما حصل مع «الهنود الحمر»، وكما يحصل للفلسطينيين مع الإسرائيليين.
من المهم هنا فضح النفاق الكبير الذي يحيط بمقولات الدفاع عن المثليين والأقليات الدينية والإثنية، وكشف الطبيعة الوظيفية والانتقائية لهذا الدفاع، فرعاية هذه الدعوات تأتي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي حاصرت العراق، بقرار من مجلس الأمن، منذ عام 1990، وحرمت شعبه مدة 13 عاماً من الغذاء والدواء ووسائل التقدم والتكنولوجيا مما أدى الى وفاة مليون ونصف مليون طفل، ثم اجتاحته عام 2003 بمبررات كاذبة متسببة بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخه وتاريخ الجيش المحتل نفسه، فكيف يستقيم بعد كل هذا التاريخ الطويل من الإجرام «المعمّم» ضد الشعب العراقي الحديث مع الدفاع عن أقليات أو مثليين؟
غير أن أكثر ما يكشف زيف هذا الغرام المفاجئ بالمثليين في سوريا والعراق (والذي صار أكثر فضائحية وإعلانية واستشراقية من خلال ربطه بممارسات «الدولة الإسلامية» وفصله عن مجاله العام: أمراض الاستبداد والتطرّف) هو أن البراميل المتفجرة والصواريخ والغازات الكيميائية تنهمر منذ سنوات طويلة على شعبي البلدين، بالقسطاط ومن دون أن تفرق بالتأكيد بين المثليين وغير المثليين.
رد الفعل الأول الذي يمكن رصده بسهولة لدى الرأي العام في الشعوب المعنية على أخبار من هذا النوع يجمع، بالتأكيد، بين السخرية والألم لأنه يقدم احتقاراً متغطرساً متخفيّا في ثياب الاهتمام والشفقة والنزعة الإنسانية الميلودرامية، وهو يفضح أن اهتمام هذا الغرب بالهوامش، ممثلا في المثليين والأقليات الدينية، لا يغذي، للأسف، إلا النقمة على هذا الغرب وعلى هؤلاء الذين يدافع عنهم، مما يفاقم الخطر عليهم بدلاً من أن يحميهم!
رأي القدس