> حركة دولية دؤوبة في الإقليم، أفضت إلى توقيع رئيس دولة جنوب السودان على اتفاقية السلام التي رفض مهرها بتوقيعه في أديس أبابا أمام رؤساء هيئة الإيقاد، وغادر العاصمة الإثيوبية غضبان أسِفا، لكنه تحت الضغوط الدولية والعصا الأمريكية، لان جانبه ووافق ورضخ، ثم وقَّع، بالرغم من حالة التعبئة السياسية في جوبا ضد الاتفاقية غداة إتمامها في أديس وعودة سلفا كير إلى جوبا.. وتنهي الاتفاقية في حال تنفيذيها – هناك شكوك في ذلك- حالة الحرب التي اندلعت لما يقارب العامين بانقسام السلطة والتركيبة السياسية في الدولة الوليدة، ولم تفلح أكثر من اتفاقية سابقة وقِّعت في أروشا وأديس أبابا في وقف القتال ومنع الجنوب من الإنزلاق نحو الهاوية..
> وقد سعت نصوصها لإرضاء ثلاث مجموعات هي الحكومة القائمة الآن بقيادة الرئيس سلفا كير والمعارضة المسلحة بقيادة نائبه السابق الدكتور رياك مشار، ومجموعة الطريق الثالث التي يقودها باقان أموم، الأمين العام للحركة الشعبية الذي أعيد إلى منصبه بعد عزله منه واعتقاله واتهامه بالتواطؤ في انقلاب مشار، وتريد الاتفاقية كما تراها القوى الدولية (هيئة الإيقاد) إنقاذ دولة جنوب السودان من شبح الانهيار الذي يحوم حولها، ويبدو حتمياً في كل الأحوال، وإخراج الدولة الجديدة من الهاوية التي سقطت فيها وإدراك ما يمكن إدراكه مما تبقى منها.
> هذا بشأن جنوب السودان، فما الذي يُراد للسودان؟..
> أما بشأن السودان، فإن ما جرى خلال اليومين الماضيين وبيان مجلس السلم والأمن الأفريقي بعد لقاءات مع قوى المعارضة السودانية والحركات المسلحة، يشير بصورة واضحة للترتيبات والتدابير الدولية المراد إنفاذها على الأرض وإنهاء الأزمة السودانية بالكيفية التي تريدها القوى الكبرى في العالم وحليفاتها في القارة الأفريقية التي تنظر إلى أن طول أمد الصراع في السودان بدأت آثاره تتمدد في المنطقة برمتها، وقد تجاوز مجلس السلم والأمن الأفريقي كل صلاحياته ولوائحه وما نص عليه ميثاق الاتحاد الأفريقي في تحركاته الأخيرة بشأن السودان، ولم يبدِ الأخير رفضه الحاسم ومقاومته المطلوبة حتى يجهض هذه التحركات المشبوهة التي لها ما بعدها.
> تعلم القوى الدولية والإقليمية أن سقوط النظام الحاكم في الخرطوم بالعمليات العسكرية الواهنة للحركات وقطاع الشمال هو ضرب من الخيال، فقد دُعمت هذه الحركات وصُرف عليها ما لم يُصرف على أي تجمع معارض يحمل السلاح ويضم مجموعات وحركات في دول العالم الثالث خلال الثلاثين سنة الماضية. وحسب تقارير دبلوماسية غربية، فإن الأموال والعتاد الحربي والتدفقات المالية التي قدمت للحركات المسلحة في دولة السودان عندما كان بلداً واحداً وبعد انقسامه ودارفور، قد بلغت عشرات المليارات من الدولار هي قيمة الأسلحة والعتاد الحربي والمركبات والدعم اللوجستي والاتصالات ومعداتها والإيواء في دول الإقليم وفي الغرب وقد استنفدت الجماعات والنشطاء والمنظمات الغربية والدوائر الرسمية ثم الخزائن الإقليمية في بعض دول جوار السودان في ليبيا القذافي ودول أخرى كل ما استطاعت في دعم العمل العسكري دون أن تكون هناك نتيجة واضحة للعيان مؤداها الختامي ألا يُرى النظام القائم متسيِّداً على الحكم في الخرطوم.
> ومنذ ثلاث أو أربع سنوات، بدأت حكومات أوروبية وربما الإدارة الأمريكية نفسها، تراجع حصاد سنوات عشر تقريباً من بداية النزاع المسلح في دارفور واستمرار النزاع الذي بدأ قبل ذلك بسنوات طويلة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتظن الحكومات الغربية والأفريقية المهتمة بالشأن السوداني، أن فرص خلع أظافر السلطة القائمة في الخرطوم بإدماج الحركات والمجموعات المسلحة فيها بالتسويات السياسية أهون وأقل تكلفة من الحرب والصدامات المسلحة التي لم تأتِ بنتيجة، وأن تفكيك الحكم عبر أدوات جديدة وتصميمات لاتفاقيات ومن خلال توجيه الحوار الوطني نفسه والتحكم في مساراته، هو المرجح والمتاح الآن أكثر من أي شيء آخر، لكن لابد أن يترافق معه ويتزامن الضغط على الحكومة السودانية ومحاصرتها بالبيانات والقرارات الأفريقية والدولية..
> إذا كان جنوب السودان قد أدخل إلى تسوية سيئة الطبخ وقد تفشل، لأن التوقيع على الاتفاقيات لا يضمن الالتزام بها، وقد تنهار في أية لحظة، خاصة في بلد مثل جنوب السودان، فإن التسوية المصممة للسودان بهذه الكيفية التي ظهرت في بيان مجلس الأمن والسلم الأفريقي تمهيداً لرفعها لمجلس الأمن الدولي، لن يتحقق لها النجاح لعدم واقعيتها من جهة، ولموقف الحكومة منها لشعورها أنها عمل غير صالح..