سيدة سودانية محترمة تذهب إلى الأربعين بحياء وهدوء باهرين، بدا على تقاطيعها حسرة ملحة لا تحتمل الإخفاء، ما إن عرفت هويتي الصحفية حتى استأذنتني بأن تضع على منضدة السلطة الرابعة ما يقلقها، بحسب مرافعتها، على الأقل ألا يكون هنالك المزيد من الضحايا في هذا الطريق، وعندما فرغت من سرد قصتها تنفست الصعداء كما لو أنها وضعت عن كاهلها جبلاً من الجليد، مؤملة أن يكون في عمليات نشر ما عانته وعرضه على الحكومة والمجتمع، بعض السلوى والمسارعة في علاج ما ظل يرهق كاهل الأسر والمجتمع في الآونة الأخيرة.
* حدث هذا منذ يومين فقط، قالت: “لقد خرجت في تمام الساعة السابعة صباحا من منزلنا الذي يقع بشارع ستة بمربع خمسة بحي كافوري.. كنت لحظتها أقصد شارع الأسفلت الرئيس الذي لا يبعد كثيرا عن موقع البيت، حيث درجت أن أنتظر هناك عربة الترحيل التي تقلني يوميا إلى مقر عملي، وأنا أعمل طبيبة في مدينة سوبا بالخرطوم، فما إن دلفت إلى شارع البيت الذي يفضي إلى شارع الأسفلت حتى أثار انتباهي منظر رجلين يستغلان دراجة هوائية يسرعان في الاتجاه المعاكس، ثم لم يلبثا أن عادا مرة أخرى باتجاهي، حيث بدأ أنهما قد مسحا الشارع إلى نهايته واطمأنا أن لا أحدا هناك، ومن ثم شرعا في تنفيذ مخططهما الإجرامي الذي يتمثل في نزع شنطتي من يدي”. تقول بهلع وهي تستعيد تلك اللحظات المرعبة: “حاولت أن أقاومها بشدة في بادئ الأمر، واستمسكت بشنطتي، غير أن أحدهما لم يملك إلا أن أخرج سكينة كان يدسها وراء ظهره، ومن ثم استخدمها باتجاهي، فتمكن من أخذ الشنطة ثم خلف هذا الجرح كما تراه الآن !!”
* على أن الجرح الذي خلفه هذا الفعل المشين لدى هذه الطبيبة لم يتوقف في جرح أصبعها الدامي.. ولا في فقد مقتنيات شنطتها التي تحتوي على هاتفين قيمين جدا ومبلغ مالي هو مصروف البيت، ولكن يكمن الجرح الغائر في كمية الرعب والأذى النفسي والمعنوي الذي خلفه الحادث !!
* بطبيعة الحال إن محضرا آخر يحوي هذه التفاصيل قد استودعته (الطبيبة الضحية) لدى شرطة حي كافوري، الحي الشهير الذي يقع على الضفة الشرقية من القصر الرئاسي ومقارات الحكومة الاتحادية والولائية في العاصمة الخرطوم.
* على أن الجريمة على غرابتها وفظاعتها لم تكن غريبة على مؤسسات الأجهزة الأمنية والميديا والرأي العام، غير أن الجديد في الأمر هو تكرارها وفي أرقى الأحياء وإصرار الجناة على المضي قدما في هذا النوع من الإجرام !!
* كتبت من قبل ما حدث لابن أختي على جسر المنشية تحت الإضاءة الكاشفة مقالا تحت عنوان (حرب شوارع المواتر)، وذلك عندما تمكن اثنان آخران من خطف هاتفه مع طعنة ساطور لطف الله أن أخطأت هدفها، وكتبت ما حدث لكريمة المهندس عوض الكريم أحمد حمزة الجامعية التي فقدت شنطتها وهاتفها على مدى مرتين بمدينة الكلاكلة على قارعة النهار، وأكيد أن أي واحد منكم يحتفظ بواقعة مماثلة، إن لم تحدث لأحد ذويه، فقد حُكيت له من أحد زملائه وأصدقائه وجيرانه !!
* والأزمة لم تكن يوما في فعالية مؤسسة الشرطة التي نجحت غالبا في عمليات الضبط والإحضار، بقدر ما كانت الأزمة في ضعف القوانين وبطء العدالة، فلا تحتاج الحكومة أن تضع في كل زقاق دورية شرطة، ولكن أن يكون لعدالتنا رهبة تخشى وتحذر مسيرة شهر كامل، ولو أن قاطع طريق من هؤلاء قُطع من خلاف على مشهد ومرأى من الناس، لفكر هؤلاء المجرمون ألف مرة قبل أن يرتكبوا جرائمهم هذه.. هل بلغت اللهم فاشهد.