عاصفة هوجاء ثارت على زميلنا الأستاذ حسن إسماعيل بعد ظهور اسمه في كشف وزارة حكومة ولاية الخرطوم.. الغالبية حاسبوه على كلماته الناقدة للحكومة وحزبها الحاكم خلال السنوات التي ظل يكتب فيها عموداً يومياً..
ورغم أن الحجارة وجهت إلى رأس زميلنا حسن إلا أنها من حيث لا يقصد راجموها اتجهت مباشرة إلى رأس الحكومة.. في كل مستوياتها الاتحادية والولائية.. فعندما يصبح مجرد إعلان اسم وزير– حتى قبل أن يؤدي القسم– كافياً لإهدار شرفه العام.. فإن ذلك يبعث برسالة أن الحكومة (رجس من عمل الشيطان اجتنبوه)..
صحيح أن زميلنا حسن إسماعيل أراق كثيراً من المداد الحارق الخارق في جسد الحكومة وحزبها الحاكم.. لكن السؤال هل العتب والعيب في نقده للحكومة.. أم في قبوله بعد النقد أن يكون في زمرة شاغلي مناصبها الدستورية؟.
في تقديري هذا حساب بالنوايا.. استباق الحدث بالحديث عن نتائجه.. أشبه بـ (بيع السَلَم).. حساب ثمن الحصاد قبل زراعة بذرته.. الحكمة تقتضي أن يمتحن المرء بعمله على نسق الشعار الذي ظل يرفعه الجنرال إبراهيم عبود (احكموا علينا بأعمالنا).. وسؤال بريء لكل من انتقد حسن بنظام الدفع المقدم.. ماذا لو حقق زميلنا حسن إسماعيل نجاحاً غير مسبوق، وقلب الصورة لتصبح ناصعة البياض.. وأقنع الشعب (صاحب الجلد والرأس) بممارسة رشيدة حصيفة جمعت له قلوب الناس؟.
المحك ليس في ما كتبه حسن في أوراق (المذاكرة).. بل المحك في ما يكتبه في ورقة الامتحان.. هي التي (تصحح) وتحسب عليها الدرجات.. فلماذا نستعجل؟، لماذا لا ننتظر لنرى (ورقة حسن).. صحيفة (أعماله) أو (عمائله) لا قدر الله.. ما الداعي للاستعجال؟.
صحيح أن الحكومة لها ما يكفي من الأرصدة التي تجعل العشم فيها شحيحاً في قلوب الناس.. والرائج شعبياً أن من دخل الحكومة واغترف من السلطة فإنما لنفسه وعشيرته الأقربين.. ولهذا يفرح أصحاب المناصب وأسرهم ويذبحون القرابين بهجة بالمنصب الحكومي.. وكثيرون تغير حالهم من شظف قبل الاستواز إلى ترف بعده.. فإشانة سمعة المنصب العام ليصبح مجرد إعلان اسم رجل مثل زميلنا حسن إسماعيل في منصب وزاري كافٍ لنيله (البطاقة السوداء) وبالإجماع.
صحيح أن الوزارة التي كلِّف بها زميلنا حسن إسماعيل تبدو بلا أعباء.. لكن ليس في ذلك عيب فدول كثيرة تعين بعض الدستوريين في منصب (وزير بلا أعباء).. الوزير ليس مجرد تنفيذي يعمل تحته موظفون.. فهو شريك بالرأي في اجتماعات مجلس وزراء ولاية الخرطوم.. وقد يحقق بالرأي ما لا يحققه آخرون يغبرون أرجلهم آناء الليل وأطراف النهار في شوارع الخرطوم.. على رأي الشاعر أبي الطيب المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني
لا تظلموا حسن.. بل شجعوه على الممارسة الرشيدة.. فلعله ينجح في تحويل مرامي نقده إلى إصلاح حقيقي.