أشرنا عند الحديث حول الجدل الذي أثارته بلدية باريس التي أصرت على إقامة يوم لإسرائيل على ضفاف نهر السين في قلب العاصمة باريس، رغم الاعتراضات من قبل الكثير من سكان المدينة، كون ذلك يعد دعاية سياحية مجانية دولة احتلال لا تتوقف عن ارتكاب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، أشرنا إلى موجة من الوعي الشعبي في أوروبا بدأت تتصاعد ضد إسرائيل التي كانت حليفاً تقليدياً للغرب تجد الرعاية الحماية بالحق والباطل، اليوم تنداح تلك الحالة الشعبية الرافضة للعدون الإسرائيلي على الأقل أخلاقياً ومعنوياً، وإن لم تكن تستطيع من ناحية عملية أن تغير الخارطة لتصل إلى بريطانيا المجاورة، حيث وقَّع نحو 80 ألف شخص حتى يوم الرابع والعشرين من أغسطس الجاري عريضة تطالب باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارته لندن بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة الصيف الماضي. وقال صاحب فكرة العريضة، البريطاني داميان موران، “بموجب القانون الدولي يجب اعتقال نتنياهو لدى وصوله إلى بريطانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب” على خلفية الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، التي استمرت لأكثر من 50 يوما. وأطلق موران العريضة في وقت سابق من شهر أغسطس ونشرها في موقع الحكومة البريطانية على الإنترنت، وفي حال جمعت العريضة 100 ألف توقيع، فستتم دراسة إمكانية مناقشتها في البرلمان البريطاني، لكن صاحب العريضة يشكك في وصولها إلى البرلمان للعلاقة الوثيقة التي تربط بريطانيا بإسرائيل. في بداية هذه الحملة لجمع التوقيعات، وعندما بلغت التوقيعات عشرة آلاف، شعرت الحكومة البريطانية بالخطر وسارعت إلى التصريح في الإعلام، وقالت إن “رؤساء الحكومات الأجانب الزائرين مثل رئيس الوزراء نتنياهو يتمتعون بحصانة من الملاحقة القانونية، ولا يمكن اعتقالهم أو توقيفهم”. على الرغم من القناعة بأن مثل هذه التحركات لن تفضي في النهاية إلى وضع نتنياهو في المكان الذي يليق به في غياهب السجن أو على حبل المشنقة للجرائم التي ارتكبها، ولكن مثل هذه التحركات ستجعل من الصعب مستقبلاً عليه التفكير في زيارة بريطانيا، إذا أخذنا في الحسبان التطور الذي حدث في هذا الأمر، منذ أن حاول محامون بريطانيون استصدار مذكرة لاعتقال تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة لدى زيارتها بريطانيا في العام 2011م، واضطرت الحكومة البريطانية – وقتها – إلى إدخال تعديل قانوني يشترط موافقة المدعي العام البريطاني على استصدار أي مذكرة بهذا الشأن قبل البت في تفاصيلها قانونياً. وألغى الوزير الإسرائيلي موشيه يعالون زيارة لبريطانيا عام 2009 خوفاً من اعتقاله، وتدخلت وزارة الخارجية البريطانية لدى القضاء لحماية وزير الدفاع السابق إيهود باراك من الاعتقال في لندن لمحاكمته على جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل.