قد يكون حديثنا امتداداً لمقال الأمس بعنوان (كونوا ساسة يا سادة) والذي حاولنا فيه مناقشة أزمة تصلب وتجمد مواقف القوى والأحزاب المعارضة تجاه كل توجهات ومبادرات الحل.. وتعنتهم ورهانهم غير الموضوعي على خيارات حلفائهم من حملة السلاح ضمن تحالف نداء السودان، وبعد كتابة هذا المقال – الذي أجعل تذكيري به مدخلا ًلمقال اليوم – تم الإعلان عن حكومة ولاية الخرطوم التي سنعود لاحقاً للتعليق عليها..
لكن الشيء الذي استوقف الكثيرين ولا أدري بالضبط هل هو موشر جيد أم سيء هو ظهور اسم أحد الكوادر الشابة من أصحاب الحنجرة والقلم من الذين كانوا يحترفون هجاء حكومة الإنقاذ وقياداتها هجاء (الحطيئة)، ويفرطون في التعبير عن مواقف نهائية متطرفة بلا خطوط رجعة ولا نقاط لين مرنة يمكن الاستجمام عندها لتبادل النقاش معهم..
حسن إسماعيل سيد أحمد كادر خطابي من كوادر حزب الأمة ظل يكيل اللعن والسباب للإنقاذ و(أبو يومها).. شخصيته السياسية شخصية صقور وليست شخصية حمائم.. حتى بعد أن خرج مع انقسام مبارك الفاضل واقتربت خطوات كيانه السياسي من الحكومة في وقت من الأوقات كان حسن إسماعيل هو الأكثر حدة والأكثر انتقاداً للحكومة من داخل كيان مبارك الفاضل نفسه، ثم ابتعد عن أضواء الساحة السياسية في الشهور الأخيرة مكتفياً بمقالاته الراتبة في الصحف قبل أن يظهر اسمه على رأس قائمة وزراء الخرطوم الجدد وزيراً للحكم المحلي منذ الأمس.
ومنذ الأمس والإسفيريون ليس لديهم موضوع أو سيرة سوى سيرة حسن إسماعيل.. نهشوا لحمه و(دشدشوا) عظمه.. مثل ما فعلوا من قبل بكمال عمر المحامي كادر الشعبي الذي كانت مواقفه مشابهة لمواقف حسن إسماعيل حادة وصارخة وصاخبة ونهائية قبل أن يتحول موقفه بالكامل بعد مبادرة الحوار منافحاً ومدافعاً عن توجهات الحكومة ومحشداً للطاولة..
حسن إسماعيل بدأ من الأمس يسدد فواتير الشطط والغلو السياسي القديم.. وهي فواتير باهظة وديون واجبة السداد لأن الكادر الخطابي والكادر السياسي التعبوي حسابه عسير مع جمهوره الذي كان يعبئه.. في حال تخليه عن ذلك الجمهور فجأة.. على خلاف النوع الآخر من أصحاب المواقف المتزنة والموضوعية، لا تتسبب تحولات مواقفه في إفراز أية آثار جانبية خطيرة.. كثيرون كانوا معارضين وصاروا وزراء ومعتمدين وولاة لكن موضوعية مواقفهم في مرحلة المعارضة جعلت انتقالاتهم سلسة ومهضومة.
حالة حسن إسماعيل تصلح لتضمينها في مناهج العلوم السياسية كحالة دراسة تفيد طلاب السياسة في ممارستهم العملية وتفيد كوادر القوى السياسية حاكمة أو معارضة في معرفة قيمة التوازن وقيمة الموضوعية في المواقف وتحري المسؤولية في استهلاك الكلمات والألفاظ والأوصاف والاتهامات للآخر.
حالة الوزير حسن إسماعيل نتعلم منها الكثير لو أردنا أن نتعلم دورساً من واقعنا السياسي.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.