الامطار لم تتوقف خارج المنزل الدافئ برحابة ساكنيه، ومضى الوقت دون أن أشعر او انتبه، كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، وثلاثتنا أنا وسعد الكابلي والاعلامي براديو سوا عبد المنعم مكي في طريقنا الى منزل الكابلي، لكن عندما انهينا الحوار وجدت عقارب الساعة قد تخطت منتصف الليل، هكذا تمر الساعات وكانها لحظات اذا ما جلسنا الى مبدع كالفنان القامة عبد الكريم الكابلي، وهو شخص يجبر بأسلوبه كل الحاضرين طوعاً على الصمت الطويل او الكلام القليل رغبة في الاستماع اليه، سألته عن زوجته فقال: (أهديها كل اغنياتي) وسألته عن أبنائه فرد :(هم آبائي الآن) أما عندما سألته عن الوطن رد: ( من مخلص ما خوان، عاشق بلده وغرقان، في حب أهل الضيفان)..حاولت اختصار الحلقة الثانية من حواري مع الكابلي في السطور القادمة، وكل قناعة أن قدر الابداع الذي يحمله قد لا يتكفي صفحات وصفحات للحديث عنه.
أود أن أسألك عن “جراح المسيح” بما أنها آخر عمل فني انتهيت منه خلال اقامتك في أمريكا والكثيرون يتحدثون عن خصوصيته بالنسبة اليك ما سر هذا العمل؟ ومتى سيخرج الى الناس؟
بالفعل هو آخر عمل فني انتهيت منه مؤخراً، فقد قمت بتلحين هذا العمل الذي هو عبارة عن كلمات استغفارية كتبها الاخ القبطي الحبيب الى نفسي عزيز منصور، وقمت بتلحينها وسأقدمها قريباً وعنوان “جراح المسيح” وسيكون مفاجأة فنية للكثيرين، ونحاول ايصال رسالة تسامح من خلال التعايش واحترام التعديدية.
بمناسبة التعايش أثار حديثك عن أصولك اليهودية جدلاً واسعاً، فما حقيقة وتفاصيل هذا الأمر؟
ضحك ساخراً ثم قال: هذه الاحاديث أضحكتني كثيراً لأنني لم أقل ذلك، كل ما قلته كان خلال ندوة عن قضية التعددية وظلال الاحادية في المجتمعات وضربت المثل بنفسي قائلاً: “أنا شخص متنوعو متعدد الاصول لأن الكابلي تعود لكابل في أفغانستان والجد تزوج ي البحر الاحمر من السواكنية من عائلة بسيوني، وبسيون في مصر وهي المنطقة التي عاشت فيها العائلة الممتدة لسيدنا يعقوب، وبسيون تعود لبنزيونو هو كان اسماً مستعاراً لسيدنا يعقوب، ثم أن جدي والد والدتي يعود لاشراف مكة الشريف أحمد محمد نور زروق، ثم جدتي تعود بأصولها الى الفور فلماذا لم يأخذوا كل ذلك وقالوا فقط أن أصولي يهودية، هذا ما أثار اللغط، لكن رسالتي كانت مخلصة حول التعايش واحترام التعددية بصورة عامة، وأنا أفتخر بكوني من أصول متعددة واقبل الآخرين.
الى أي مدى تتابع جديد الساحة الفنية في السودان هذه الفترة؟
أنا أتابع بشكل كبير المتغيرات التي طرأت على الساحة الفنية، رغم أن هذه الحالة العالم كله يشكو منها وتقييمي أنه أصبح هناك انحسار في القيمة والقيمة الفنية، حتى هنا في أمريكا نشعر بها بين الاجيال الموسيقية القديمة والحالية، يمكن أن نقول أن هناك حالة انهيار عامة في الذوق العام، ربما لان طبيعة الحياة نفسها اختلفت عن جيلنا ومرحلتنا.
ما هو معيار الفنان في وجهة نظرك؟ او بمعنى آخر من الذي يستحق أن نطلق عليه فناناً؟
رد سريعاً: انا عن نفسي أربط مسألة وجود الفنان بذوق المجتمع ويمكن أن نقول ان سياسة الحكومات والتضييق على الحريات له أثر كبير على كل جوانب الحياة بالنسبة للفنان والجمهور الذي يتلقى هذا الفن، في أيامنا كنا نبدأ من المدرسة نكتسب ما يساعدنا على النجاح في أي مجال، وأذكر أن أستاذي في المرحلة المتوسطة كان يصر علي ويدفعني للمشاركة في مسابقة شعرية فقط، لأنه يشعر بموهبتي واهتمامي بالللغة العربية، رغم أنني كنت حينها أرفض لخشيتي من عدم مقدرتي على المنافسة مع طلبة يسبقونني في مراحل عمرية أخرى، ما أقصده من سرد هذه التفاصيل هو أن اكتساب المهارات وتطويرها يبدأ من الصفر وهو شئ مفقود الآن أو نادر.
هل كنت تتابع برنامج “اغاني واغاني” في رمضان؟
أرى أن فكرة البرنامج جيدة ويطربني الى حد كبير، لذا اهتم بمتابعته في شهر رمضان من كل عام، لكن فكرة البرنامج، منقوصة، لأنه قائم كله على الغناء القديم وهذا جانب ايجابي، ولكنه بذات الطريقة والاسلوب في كل عام لكن لكي يضفي جديداً ويجذب الناس اليه بصورة أكبر يجب التجديد، واذا ما قارناه ببرنامج (وناسة) للأغاني فنشر أنه يتفوق على أغاني واغاني بانه متجدد ويستضيف فنانين من كل الوطن العربي، وهنا يحدث تواصل الثقافات الفنية واللونية، كان يجب على القائمين على (أغاني وأغاني) وبما هو متاح لديهم أن تتم دعوة فنانين من مناطق السودان المختلفة من الشرق والغرب والشمال فالسودان وحده قارة.
صحيفة السوداني