(1)
> والمعلم محترم ومسكين ومضطهد ومحبوب في الزمان كله.
> والجاحظ يؤلف كتاباً في حمق المعلمين.. مع أنهم يصنعون الحياة.
> وفي جيل التلفزيون التلاميذ ينظرون إلى المعلم الجديد وأحدهم يقول للآخرين
: أراهن ــ إنه معلم رياضيات.
الآخر قال.. لا بل معلم جغرافيا.
وثالث من وراء نظاراته يقول في ثقة
: لا .. لا هو معلم رياضيات ولا جغرافيا.. هذا معلم عربي وعلامة ذلك الفتحة الظاهرة في آخره.
> بنطلون المعلم كان مقطوعاً من الخلف.
> وفي معركة الشهادة الثانوية هذا العام يرسب مائة وعشرون ألفاً.
> والقرى البعيدة في أطراف السودان تظل بعيدة.. وثلاثة من كل أربعة من الطلاب يذهب إلى الظلام.
> لكن..
> مشروعاً صغيراً.. يقول الآن »أربعون معلماً.. طلابهم هم الذين يحصلون على الدرجات الأولى للشهادة هذا العام.
> والمعلمون هؤلاء يدخلون على ابنك الطالب.. يقدمون له الشهادة الجامعية وهو على فراشه.
> وفي بيته مهما كان البيت على الحدود من الغرب أو الشرق..
> ومجاناً..
> وابنك يستمع للمعلمين الأربعين هؤلاء وهو متكئ على فراشه يتناول إفطاره في البيت.. و…
(2)
أستاذ إسحق
> أنت تتوهم حرباً طويلة ضد السودان.. ونحن لا نعيش في المريخ.. أين هي؟
»عمر«
أستاذ عمر
> أنت بالتأكيد وملايين معك شهدوا أيام ثورة أكتوبر ــ فمن قتل القرشي؟!
> ملفات التحقيق تقول حتى اليوم إن الرصاصة التي قتلت القرشي لم تصدر عن أسلحة الشرطة.. نوع مختلف من الأسلحة كان هو مصدر الرصاصة.. من أطلقها إذن؟! الحكاية هي
: كل شيء كان هادئاً عام 1964م.
> وفي سبتمبر حزب يقيم دعوة عشاء لطلابه في الجامعة.
> وفي أكتوبر الندوة.. ثم الرصاصة المجهولة.
> وعبود يذهب.
> وما يقود كل شيء هو أن جهة خارجية كانت تجد أن عبود يوشك أن يحسم التمرد.
> والجهة هذه تصنع كل شيء.. والتمرد ينجو.. ويطارد السودان بعدها لأربعين سنة.
> وكل شيء يتم علناً.. ويستخدم حتى المثقفين ويجعلهم يقتلون البلاد.. وهم يتبعونه عمياناً.
> باسمك الأخضر يا أكتوبر.
> لهذا ــ أستاذ عمر ــ لا ترى أنت الآن ما يجري تحت أنفك.
(3)
أستاذ إسحق
: هذه أيام جيڤارا.
.. هل عندكم.. جيڤارا؟
> وتقول: جيڤارا الشاب القوي قائد المضطهدين ضد أولاد الـ »….«
> وتطلب إجابة.
> والإجابة بعضها هو:
جيڤارا هذا.. شاب هو مخلص وذكي؟؟
: نعم.
: وقائد للمضطهدين في الأرض ضد الظلم؟
: نعم.
> لكن من يجمع صفات جيڤارا هذه ويصفق لها هو.. الإسلاميون.. قبلكم ومعكم.
> والسبب هو أن ما تسرده كله عن جيڤارا هو/ عند الإسلاميين وغيرهم/ شيء يسمى »مكارم الأخلاق«.
> والإسلام إنما جاء »ليتمم« يتمم.. مكارم الأخلاق.
> الأمر يعني أن الإسلام يعرف أن مكارم الأخلاق موجودة.. وناقصة .. تائهة في الصحراء.
> يعني أن جيڤارا »حقنا« نحن الإسلاميين.
> بينما الشاهد الآخر هو أنتم.
> الشاهد الثاني هو »179« قياديا شيوعياً هم أعضاء مجلس السوڤيت أول مجلس لقيادة الدولة الشيوعية.
> لكن؟
> القادة هؤلاء »179« كلهم قائد مثقف.. شجاع و.. و… ينتهي أمرهم أغرب النهايات.
> أكثر من مائة من هؤلاء انتحروا أو نحروا.
> و»الجنون« ينقذ كثيرين منهم من الانتحار أو النحر
> والسبب؟
> السبب هو:
> الشيوعيون هم.. من هنا.. ومثل كل البشر يحبون مكارم الأخلاق.. راجع صفات جيڤارا.
> والشيوعيون.. من هناك يرفضون مكارم الأخلاق باعتبارها صفات برجوازية.
> والصراع بين فطرة الله وفطرة ماركس يقود إلى الجنون والانتحار والذبح.
> والمفتاح هذا يصلح لتقديم تفسير لكل كتابات وأدب وفكر الشيوعيين في تاريخهم.
(4)
أستاذ
»الشاب الذي يجادلنا أمام بوابه الوطني إلى حد الاصطراخ«.
> أستاذ
> الصلحي كان أصدقاؤه وهو صبي حين يسألون عنه تقول أمه
: ذهب يصطاد الطير في طرف أم درمان.
> أم درمان كانت هادئة إلى درجة تجعل الطير يهبط.
> وقهوة وحيدة تشتهر.. والشهرة سببها ليس هو ضخامة القهوة.. الشهرة سببها هو أن المدينة صغيرة مثل قهوة.
> وحفلة العرس في الدومة يهاجر إليها شباب بري.. يستمعون لإبراهيم عوض.. صبي السمكري الذي يصبح فناناً له شقة شعر يقلدها الشباب.
> وجكسا.. الذي يتحدث الأسبوع هذا هو صبي يومئذ.. حين يزوره »كيشو« مدير نادي الهلال المرح وآخرون يستقبلهم جكسا في جلباب ليس جلبابه.. وبعد شهر جكسا يزلزل السودان.
> والسيد عبد الرحمن المهدي كان قبلها بقليل حين يغاضب الإنجليز يعود إلى بيته.. وبيده ينزع سلك الهاتف.. كان ذلك هو العنف الأعظم في السياسة.
> …
> وكانت هناك الخدمة المدنية..
> وعبد الله الطيب يقول إن الإنجليز صنعوا السودان حين صنعوا الحدود والخدمة المدنية.
> وفي الخدمة.. مدير الأشغال.. مستر»بوتر« يقص حكاية الموظف حسن عتباني..
> وحسن يصمم مدرسة وادي سيدنا.. و حين يشير بوتر إلى خطأ في التصميم/ لا يسميه/ يسهر حسن الليل كاملاً يبحث عن الخطأ.
> ويجده.. ويصلحه.. ويسلمه لبوتر..
> ويسقط مغمى عليه.
> الخدمة والموظف كان هو هذا لهذا كان الجنيه يجرجر ثلاثة دولارات خلفه.. كلها تحمل صورة بنجامين فرانكلين.
> والتعليم كان هناك.
> وفي التعليم جامعة الخرطوم وبخت الرضا كلاهما كان »يصنع« السودان.. والعالم العربي.. فعلياً.
> والسوداني ـ المواطن ـ كان هناك.
> والخراب.. الخراب اللذيذ.. كان يعمل تحت حقيقة أن هدم المواطن يبدأ بهدم الخدمة المدنية.
> من ارشيف الكاتب