> لا يمكن التعويل على زيارة الوفد الرسمي الأمريكي بقيادة السيد دونالد بوث مبعوث البيت الأبيض للسودان ومعه مسؤول مكتب متابعة العقوبات (أوفاك)، فبعد رفض متكرر قررت الحكومة السماح للسيد المبعوث الرئاسي بدخول البلاد بعد منحه التأشيرة المحروم منها لأكثر من عامين تقريباً بسبب عدم حرصه على ملاقاة السيد رئيس الجمهورية، شأنه شأن المبعوثين الذين سبقوه (روجر ونتر، ويليامسون، وسكوت غرايشون)، فكلهم قد انتهجوا نهجاً غير مبرر في التعامل مع السيد الرئيس، ولم يحرصوا على لقائه مبررين ذلك بملف المحكمة الجنائية الدولية. وعندما تم تعيين السيد دونالد بوث وتكرر منه ما كان يحدث من سلفه، منعته الحكومة ورفضت إعطائه تأشيرة دخول، هذا بجانب أسباب أخرى منها عدم وقوفه على مسافة واحدة من أطراف النزاع في السودان، وتبنيه بالكامل لمواقف ما يُسمى بالجبهة الثورية وقطاع الشمال وحركات دارفور، خاصة في جولات التفاوض السابقة.
> هذه الزيارة التي تبدأ اليوم الثلاثاء، لا تبعث تفاؤلاً كبيراً في سرعة نتائجها وتمخضاتها، مع إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، تتيح عبر لقاءات مباشرة إدارك الحقائق على الأرض، وتمكُّن المبعوث الخاص من التعرُّف على تطورات الأوضاع في البلاد، خاصة الحوار الوطني وانحسار القتال والحرب بعد هدوء الأحوال في دارفور، وسيطرة الحكومة على مسارح العمليات في جنوب كردفان والنيل الأزرق وجديتها في تنفيذ وقف إطلاق النار لمدة شهرين تمكيناً لعملية الحوار المنخرطة فيها أحزاب معارضة وممانعة، وأخرى موالية وشريكة في الحكم.
> لقد جرت خلال الفترة الماضية حوارات ونقاشات عميقة بين الحكومة والإدارة الأمريكية في العاصمتين وعواصم أخرى، وكانت هناك تحركات هنا وهناك آخرها مشاركة وزير الخارجية بروفيسور غندور في الاجتماع الذي عقده الرئيس الأمريكي خلال زيارته الأخيرة للمنطقة في إديس أبابا بحضور قادة الإيقاد حول الوضع في جنوب السودان، وجرى خلاله حديث خاص بين أوباما وغندور، ثم حديث آخر نادر الحدوث مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس عقب اجتماع أوباما مع رؤساء إيقاد.. وخلال هذه اللقاءات والحوارات تم الاتفاق على زيارة المبعوث الأمريكي ومعه وفد كبير لمناقشة تفاصيل كثيرة حول القضايا العالقة بين البلدين.
> فمع العلم إنه لا توجد ملفات عالقة بشأن العلاقات الثنائية، فإن النقاط العالقة هي قضايانا الداخلية وموقف الإدارة الأمريكية منها وضعفها في مواجهة الحملات الضخمة التي تقودها جماعات الضغط في الداخل الأمريكي، تنحصر في قضية الحرب في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ودارفور، وكيفية تحقيق السلام ووقف الحرب والعلاقة مع جنوب السودان، بينما تركز الخرطوم في مطالبها على قضية العقوبات الاقتصادية والرفع الفوري لها مع رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ودور واشنطن في إعفاء الدين العالمي الذي فاق الـ«35» مليار دولار، وضرورة تراجع الولايات المتحدة عن ممارسة ضغوطها على المجتمع الدولي للحيلولة دون إعادة إدماج السودان في منظومة التعاملات المالية، ومن بينها التحويلات والقروض والمِنح التي حُرم منها منذ نهاية عقد السنوات الثمانين من القرن الماضي.
> على الرغم من وجود ثمار قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع في ما يختص بالعقوبات بإعطاء تراخيص محدودة من مكتب متابعة تنفيذ العقوبات (أوفاك)، وهي أربعة أذونات للتعامل في المجال الطبي والزراعي والتعليمي، وتقنية الاتصال والبرمجيات، كانت من مؤدى الحوارات السابقة، إلا أن كثير من المراقبين يرون أن الوقت لم يحِن بعد لطي كل الملفات العالقة بين البلدين، كما تم بين واشنطن وكلٌ من طهران وهافانا.. برغم أن الظروف في الحالة السودانية أفضل بكثير والحاجة لعون الخرطوم أكبر في معالجة تعقيدات المنطقة واضطراباتها في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وليبيا واليمن ووجود دور كبير للسودان في إطار تنسيق عمل قوات التدخل السريع لمنطقة شرق أفريقيا لمعالجة الوضع في شرق الكونغو وشمال أوغندا فضلاً عن ملف الحرب على الإرهاب، فهناك تطابق كبير في وجهات نظر البلدين حول هذه الملفات والقضايا الإقليمية.
> فلا خلاف بين السودان والإدارة الأمريكية يمكن أن يكون عائقاً صلداً أمام تقدم العلاقات. فمعروف أن توجهات البيت الأبيض في الفترة المتبقية من عهد الرئيس باراك أوباما، هو تنظيف المحفة ونفض المنفضة حتي يدخل الحزب الديمقراطي ومرشحه القادم الانتخابات الرئاسية في 2016م، والساحة الدولية والإقليمية قد تم تمهيدها وتسويتها بشكل جيد، ولكن العقبة الكأداء التي تقف في وجه أي تقدم في العلاقات السودانية الأمريكية، هي الناشطين وجماعات الضغط والمسيحيين الأصوليين واللوبي الصهيوني، وتأثيرها على الرأي العام الأمريكي وضغطها الثقيل على منكبي البيت الأبيض..وهذه هي المعضلة والعائق..!