بالصورة: متى سيخرج المسيح الدجال وأين يوجد الأن وماذا يفعل

الفصل الأول
المسيح الدجال أول العلامات الكبرى
المسِيحُ: بفتح الميم وكسر السين المهملة المخففة وبالحاء وعليه جميع روايات البخاري ومسلم.

وكلمة المسيح تطلق على الدجّال وتطلق على عيسى بن مريم عليه السلام.وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله في الدجال “مسيح الضلالة” فدل على أن عيسى “مسيح الهدى”
فإذا أريد بها الدجال قُيّدت به فيقال “المسيح الدجال” فإذا أطلقت فقيل “المسيح” فهو عيسى بن مريم عليه السلام.
وسُمّي الدجال مسيحاً إما لأنه ممسوح العين اليمنى طافئة لا شعاع فيها، ممسوح الحاجب الأيمن، أو لأنه يسيح في الأرض كلها.
وكذلك عيسى بن مريم عليه السلام كان يسيح في الأرض أو لأنه كان يمسح ذوي العاهات بيده فيبرئهم الله( ).

أما لفظ الدّجال: فبفتح أوله والتشديد من “الدّجل” وهو لغة التغطية، وذلك لأنه يغطي الحق بباطله.
والمسيح الدجال ليس هو أول دجال ولكنه آخر الدجاجلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً”( ).

تحقيق أن الدجال هو أول العلامات الكبرى للساعة:
ظهور المسيح الدجال هو أول العلامات العشر الكبرى للساعة والتي ضمها حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنصدّر به الباب القادم بإذن الله تعالى وهو “علامات الساعة الكبرى”.

وقد ذهب قوم من أهل الأخيار إلى القول بأن طلوع الشمس من مغربها هو أولُ العلامات الكبرى مستندين في ذلك إلى الحديث الصحيح المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قال: “إن أول الآيات خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها وخروج الدّابة على الناس ضحىً فأيتّهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً”( ).

وهذا الذي ذهبوا إليه ليس بصواب وإنما يسبق طلوع الشمس من مغربها ثلاثُ علامات كبار أولها ظهور الدجال ثم نزول عيسى بن مريم عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج. وتحقيق ذلك بأن نقول:

أولاً:
إنه بطلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
ولكنّ المقرر والمعروف أن عيسى بن مريم بنزوله سيدعو الناس إلى الإسلام وسيؤمن به أقوامٌ من النصارى قال تعالى: “وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً”. النساء 159.
فلو كان سبق ذلك طلوع الشمس من مغربها لم يكن ينفعهم إيمانهم ولهذا:
– قال الحافظ بن حجر: (إن مدة لُبث الدجّال إلى أن يقتله عيسى ثم لُبث عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب، فالذي يترجّحُ من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأنّ طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة) ( ). اهـ.

لابد أن يكون ظهور الدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج علامات سابقة على طلوع الشمس من مغربها لأن عيسى سيعيش بعد مقتل الدجال وهلاك يأجوج ومأجوج سبع سنين كما جاء في صحيح مسلم أو أربعين سنة كما جاء في رواية صحيحة عند أبي داود عن أبي هريرة، ثم بعد ذلك تظهر أول العلامات التي تتابع بعدها باقي العلامات كأنها حبات عقد انقطع سلكه فانفرطت حباته أي توالت سراعاً. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً”( ).

الفصل الثاني
وصف المسيح الدجال
– الدجال رجل من بني آدم يهودي ممسوخ الخلقة شيطاني النشأة والنزعة شيطاني الشكل والصورة. تحيط به الشياطين ويتبعه سبعون ألفاً من اليهود عليهم الطيالسة (الطرحة أو الغترة).

– أما عن أبويه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يمكث أبوا الدجال ثلاثين سنة لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة، تنام عينه ولا ينام قلبه”. ثم نعت أبويه فقال: (أبوه رجل طويل مضطرب اللحم طويل الأنف كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخيّة عظيمة الثديين”( ).
– وأما عن شكله وصورته فقد بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً كافياً، لا يدع معه شكاً ولا تردداً في التعرف عليهن ففيه علامات تظهر من بعدي وعلامات تظهر من قريب.

– فإذا نظرت إليه قادماً من بعيد رأيت رجلاً قصيراً ضخم الجثة جداً، آدم (أسمر) أحمر (أدمته صافية قد احمرّت وجنته عظيم الرأس كأن رأسه أصلة( )، جعد الشعر قطط (شديد الجعودة) كأنه مضروب بالماء والرمل، جُفال جُفال، (حُبُك، حُبُك) ( ) كأن شعره أغصان شجرة( )، أفحج (تدانت صدور قدميه وتباعدت عقباها).

– فإذا اقتربت منه رأيت شَبَهاً شيطانياً فشق وجهه الأيمن ممسوح لا عين فيه ولا حاجب، وعينه اليسرى متقدةٌ خضراء كأنها كوكب دري، كأنها زجاجة خضراء ناتئة (بارزة)، جاحظة متدلية على وجنته كأنها عنبة طافية أو نُخامة في جدار.
فهو إذن أعور العينين، اليمنى ممسوحة طافئة لا شعاع فيها واليسرى ناتئة طافية جاحظة متدلية على وجنته( ).

وكان يمكن أن يكتفى بهذا الوصف الدقيق ولكن الله جلّت قدرته شاء أن يستبين لنا أمره فلا يخفى طرفة عين فوصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ وصف وبينه بياناً شافياً فقال صلى الله عليه وسلم: “مكتوب بين عينيه “كافر” تهجاها رسول الله: “ك. ف. ر” يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ”. ولأ أظنه يخفى بعد ذلك على أحد( ).

بعض الأحاديث التي وردت بصفة الدجال:

1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… فإذا هو رجلٌ جسيمٌ أحمرُ جعد الرأس أعورُ العين”( ).
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفحج جعد أعور مطموس العين”( ).
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك”( ).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… إن الدجال ممسوح العين اليسرى”( ).
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية”( ).
6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… ألا وإنّه أعور وإنّ ربكم ليس بأعور مكتوبٌ بين عينيه “كافر” يقرؤه كل مؤمن”( ) وفي رواية “مكتوب بين عينيه “ك. ف.ر.” “( ).

الفصل الثالث
مكان الدجال (أين هو الآن)
المسيح الدجال حي الآن يُرزق ولكنه محبوس إلى أجل مُسمّى في دَيْرٍ بجزيرة. أين هذا الدير؟ ومن الذي حبس الدجال؟ وهل الدجال هو ابن الصياد اليهودي؟
نورد أولاً حديث (قصة الجسّاسة) الذي يرويه مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس قالت: سمعت مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله” فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله” صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كل إنسان مصلاة ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأنّ تميماً الدّاري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفؤا ألى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلبٌ كثير الشعر لا يدرون ما قُبُله من دُبُره من كثرة الشعر فقالوا ويلك ما أنت فقالت: أنا الجسّاسة قالوا: وما الجساسة: قالت أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق. قال لما سمّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان خلقاً وأشده وثاقاٌ مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابةٌ أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قُبُله من دُبُره من كثرة الشعر فقلنا ويلك ما أنتِ فقالت أنا الجسّاسة قلنا وما الجسّاسة قالت اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان قلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا: نعم قال أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا عن أي شأنها تستخبر قال: هل فيها ماء: قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إنّ ماءها يوشك أن يذهب. قال أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال: أخبروني عن نبي الأميّين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا نعم قال أما إن ذاك خيرٌ لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليّ كلتاهما كُلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منها استقبلني ملكٌ بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها قالت: قال رسول الله”: وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة. ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس فقال الناس: نعم فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبلا لمشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم”( ).

أولاً: هل الدجال الذي رآه تميم الداري هو ابن صياد اليهودي؟
ابن صياد هذا غلام يهودي كان يسكن المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه صفات المسيح الدجال وكان كاهناً ودجالاً من الدجاجلة واشتبه أمره على الصحابة بل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يوح إليه فيه شيء.
قال النووي: (قال العلماء: قصة ابن صياد مُشكلةٌ وأمره مشتبه لكن لا شك أنه دجّال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء، بل قال لعمر لما أراد قتله: “لا خير لك في قتله”( ).

ولذلك نحن نتوقف في هذه المسألة ونكِلُ علم ذلك إلى الله تعالى ونقول أنه من العلم الذي لا يضر الجهل به فهو لا ينبني عليه عمل.
وعلى أي تقدير أو احتمال أن يكون الدجال هو ابن صياد أو غيره، فإن الدجال محبوس الآن في مكانه.

ثانياً: من الذي حبسه؟
قيل الذي حبسه الملائكة وقيل سليمان عليه السلام وليس معنا دليل صحيح نعتمد عليه في ذلك، المهم أنه قد حبس بدير، قد أُحكم وثاقه وشددت أغلاله إلى أن يأتي الوعد الموعود.

ثالثاً: أين مكان الدير المحبوس فيه؟
هو من قِبَلِ المشرق جزماً، في إقليم “خراسان” تحديداً من قرية “يهودية أصبهان”. (أي على الحدود الروسية الإيرانية اليوم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان”( ). وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: “يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة”( ).

ولن نعلق على حديث “قصة الجساسة” فهو واضح ولكن نأخذ منه:
1- أن الدجال موجود الآن حيٌ منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم: وأنه موثق وثاقاً شديداً.
2- وإن كان مكانه معروفاً جزماً فإنه لا يستطيع أحد أن يصل إليه أو يطلق سراحه لأن له وقتاً مقدراً قد كتبه الله فلا يتقدم عنه ساعة ولا يتأخر.
3- أن خروج الدجال سيسبقه علامات يعرفها هو، منها جفاف بحيرة الطبريّة ونخل بيسان وغيرهما كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
4- أن المعقل من الدجال مكة والمدينة فهما محرمتان عليه أن يدخلهما وكذلك بيت المقدس كما جاء في آثار أخرى.
5- كانت رؤية الدجال وحديثه مع تميم الداري سبباً في إسلامه رضي الله عنه.

الفصل الرابع
موعد خروج الدجال وسببه وعلامته
جعل الله تعالى فكَّ قيود الدجال وخروجه من سجنه علامة على قرب نهاية الدنيا فهو أول العلامات الكبرى ظهوراً، وجعل الله جل وعلا لخروجه سبباً وعلامة وموعداً.
أولاً: سبب خروج الدجال:
يخرج الدجال اللعين من غضبة يغضبها، وقد جاء ذلك في أثر صحيح عن حفصة أم المؤمنين قالت: (إنما يخرج الدجّال من غضبة يغضبها) ( ).
وهي غضبة لم تكن لتفك قيوده وتطلقه من حبسه وإلا فهو غضبان منذ أن قيد وحبس في هذا الدير ولذلك جاء في بعض روايات حديث الجسّاسة السابق: (فزفر ثلاث زفرات) ( ). فتلك الغضبة ما هي إلا علامة جعلها الله سبباً لخروجه، كما جعل سبب خروج يأجوج ومأجوج أن يقولوا للسد الذي حبسهم بداخله ذو القرنين “غداً نفتحه إن شاء الله” فيلهموا أن يقولوا إن شاء الله فيكون ذلك سبباً لخروجهم.

ثانياً: موعد خروجه:
يخرج الدجال كما قدمنا بعد فتح المسلمين القسطنطينية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال”( ).
فخروج الدجال يكون بعد ظهور المهدي وخوضه بعض الحروب في الجزيرة العربية وفارس والروم والقسطنطينية والتي ستستغرق بضعة أشهر كما بينا في الباب الثالث.

ثالثاً: علامة خروج الدجال:
ستكون أحداث تسبق خروج الدجال وتكون علامة على خروج هذا اللعين:
1) تقع معركة (هرمجدون) ويكون على إثرها جفاف نهر الفرات وجفاف بحيرة الطبرية بالشام وكذلك نخل بيسان على الحدود الفلسطينية الأردنية. فإذا نشبت حرب (هرمجدون) العالمية فانتظروا الدجال على إثرها قريباً.

2) مجئ سنوات الجذب والقحط والجوع والبلاء والغلاء و… قلّة الدين عند الناس يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… وإن قبل خروج الدجّال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد يجري ذلك عليهم مجرى الطعام”( ).

وقد بدأت بوادر ذلك وتطالعنا الصحف كل يوم بأنباء ملايين من البشر الذين يعانون من المجاعات ويعيشون تحت خط الفقر وأعدادهم في تزايد مستمر، والحديث لا ينقطع عن اجتماعات منظمات الأغذية العالمية والتي يحضرها العديد من رؤساء الدول لمناقشة موضوع المجاعات العالمية القريبة المتوقعة. ولا عجب في ذلك فقد كثر الحديث في هذه الأيام عن حروب ستكون بسبب المياه.

فعلامة خروج الدجال إذن الفساد العام في الأرض والاضطرابات والفتن والحروب والمجاعات وجفاف الأنهار والبحيرات وتزايد المشاكل والأزمات هذا هو المناخ المناسب لظهور هذا الكائن الشيطاني الذي تكون عامة فتنته في المأكل والمشرب نسأل الله السلامة.

الفصل الخامس

فتنة الدجال وكيف النجاة منها

أولاً: فتنة الدجال:
الدجال هو فتنة آخر الزمان، وهو أعظم فتنة وشر بلاء. وبلغ من عظم فتنته أن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منها ضمن أربع دبر كل صلاة لدرجة جعلت بعض علماء السلف – وهم الظاهرية ومن تابعهم – يقولون بوجوب دعاء التعوّذ هذا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تشهّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال”( ).

بل أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي بعثه الله إلا حذر قومه الدجال.
قال صلى الله عليه وسلم: “… إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه إنه أعورٌ وإن الله ليس بأعور”( ).
وروى الإمام مسلم عن النواس بن سمعان قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفّع حتى ظنناه في طائفة النخل”( ).

– فيا عجباً لقوم يستبعدون هذا الأمر ويظنون أن بينهم وبينه أمداً بعيداً مع أن الأنبياء كلهم حذروا أقوامهم منه وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكره حتى ظن الصحابة أنه مختبئ وراء النخل يوشك أن يفجأهم.

– وفتنة الدجال هي فتنة شُبهات وشهوات، ليست فتنة قهر وجبر وإكراه. ففتنته شيطانية تشبه فتنة الشيطان الذي يقول لأتباعه والمفتونين به يوم القيامة، ما اخبر الله تعالى عنه في القرآن بقوله سبحانه:
“وقال الشيطان لما قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي غني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم” إبراهيم 22.
وعندما نقول فتنة شيطانية نعني أنها ضعيفة التأثير على المؤمنين فهي لا تعدو أن تكون فتنة إغواء وشهوات وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فخفض فيه ورفع” أي رفع وعظم من شدة فتنته ومع ذلك فهي حقيرة ضعيفة الأثر وصاحبها حقير هين على الله.

– فالدجال اللعين بما أوتي من شبهات وخوارق للعادات يستميل إليه ضعاف القلوب والإيمان من المسلمين فضلاً عن المشركين والملاحدة. فهو يخرج على حين جدب وقحط ومجاعات عالمية فيدعي الصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألهية وعندئذ تطمس عينه ويكتب على جبينه كافر وينفر منه كل ذي لب.

– فيخرج اللعين يلوّح للناس برغيف الخبز وإن معه لجبالاً من الخبز وأنهار الماء، فيفتن به الماديون أصحاب الشهوات وأهل الدنيا الذين لا يبالون من أين يأكلون أمن الحرام أم من الحلال أولئك الذين يقولون: (نحن نتعامل مع الشيطان كي نعيش).

– ولشدة فتنة الدجال والأحوال القاسية وقت خروجه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعظم فتنة وجدت على ظهر الأرض. قال صلى الله عليه وسلم: “ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال”( ). وفي رواية: “.. خلق أكبر من الدجال”( ). وفي رواية “… فتنة أكبر من فتنته الدجال”( ). وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن الناس يهربون منه في الجبال خوفاً من فتنته”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليفرن الناس من الدجال في الجبال”( ).
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم – خاصة من لم يتمكن الإيمان من قلبه – من الوقوف في وجه الدجال فقال: “من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات”( ).
أما من وثق بربه وكمل يقينه بالله فله أن يقف في وجه الدجّال كما سنبين قريباً وليس ذلك بضاره شيئاً.

– والدجال سيهبط الأرض كلها في أربعين ليلة يسير فيها سيراً حثيثاً كالغيث استدبرته الريح، يدعو الناس إلى نفسه، تحيط به الشياطين تعينه على ضلالته. شأنه شأن الساحر الذي تنقاد له الشياطين كما ضل وكفر، ويزداد انقيادها له وطاعتها لأمره بازدياد في كفره وضلاله فيكون ذلك كالبرطيل أو الرشوة التي تُرضي عنه الشياطين فتطيعه.

– يهبط الدجال الأرض كلها إلا مكة وطيبة أي المدينة فإنهما محرمتان عليه كلتاهما على كل باب من أبوابهما ملك بيده السيف صلتا يصده عنهما.
وقد روى الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه حديثاً جميلاً عجيباً بسنده عن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خطب الناس يوماً فقال: “يوم الخلاص، وما يوصم الخلاص؟ ثلاثاً. فقيل له وما يوم الخلاص قال: يجئ الدجال فيصعد أحداً فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه: هل ترون هذا القصر الأبيض( )؟ هذا مسجد أحمد. ثم يأتي المدينة فيجد في كل نقب من أنقابها ملكاً مصلتاً سيفه فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص”( ).

ونختم هذا المبحث بإيراد حديث جامع لفتنة الدجال وسيرته لعنه الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذّر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم. وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يميناً وشمالاً، يا عبادا لله أيها الناس فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي، … يقول: أنا ربكم، ولا ترون ربّكم حتى تموتوا، وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب. وإن من فتنته أنّ معه جنة وناراً فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستعذ بالله وليقرأ فواتح الكهف. وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وامه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك.

وإنّ من فتنته أن يُسلّط على نفس واجدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه ثم يزعم أن له رباً غيري فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقولك ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت قط أشد بصيرة بك من اليوم.

وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر، فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت.
وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت، وأعظمه، وأمده خواصر وأدره ضروعاً.

وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته، حتى ينزل عند الضريب الأحمر، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبيث منها، كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، قيل: فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل.

وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلّى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء. وينطلق هارباً.. فيدركه عند باب لُدّ الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل يتواقى به يهودي، إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة، إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق، غلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله.

فيكون عيسى بن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاةٍ ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمّة كل ذات حمّة، حتى يدخل الوليد يده في فِي الحية، فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات.

وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام”( ).

وفي بعض الروايات في صحيح مسلم: “… قالوا يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً. يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامهم. قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، أقدروا له”.

ثانياً: النجاة منها:
الحمد لله رب العالمين، ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله فمن علمه فليحمد الله ومن جهله فلا يلومن إلا نفسه فقد قصر في تحصيل العلم.

فمع شدة فتنة الدجال وعظم خطرهن فهو هين على الله، ليس له سلطان على عباد الله المؤمنين ولذلك لما قال المغيرة بن شعبة: “ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألت. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ينصبك منه؟ إنه لا يضرك. قال: قلت: يا رسول الله إنهم يقولون أن معه الطعام والشراب. قال: هو أهون على الله من ذلك”( ).

ففتنة الدجال لا تمكث في الأرض إلا قليلاً (أربعين يوماً) حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقضي عليها وينهي أمرها.

وقد علّمنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم كيف النجاة في هذه الفتنة خاصة وأن المؤمنين سيعايشون فتنة الدجال ويعاصرونها.

الحياة

Exit mobile version