المغني الخرافي وفنان الفنانين خليل إسماعيل.. الساحل الذي لا يمكن الاقتراب منه

قد لا تقف الأغنية عند حد القبل، وقد تخترق الروح والجسد من الناحية الأخرى، قد تشتعل الأغنية في الدواخل، وقد يتوهج الإنسان حد التلاشي لأن ما خاله لحناً ومجموعة مفردات، هي قد تكنت منه وأذاقته الويل.
تمثل كثيراً من الأغنيات ساعات يومية من حياة الإنسان، واستطاعت بعضها أن تكون حدثاً يومياً وسلوكاً للناس، وهو ما جسدته أشهر الأغنيات شجناً على الإطلاق (الأماني العذبة) التي وطد لها الفنان الكبير الراحل خليل إسماعيل في وجدان الشعب والشارع والعامة والنخب فكانت تمثيلاً طبيعياً لحالة مغيب الشمس عند كل يوم.
قراءاة: أيمن كمون
وخليل إسماعيل واحد من الذين منحوا الأغنيات دمه وروحه فسارت حيةً بين الناس وأصبح لديها قدمان تمشي بهم وتداعب بها وترقص وتراقص القلوب، فلم يعد ما يقدمه مجرد أغنيات، ولم يكن هو في مخيلة الناس ووجدانهم مجرد مغن أو صاحب صوت جميل، لكنه كان في تقديراتهم بوباً يقف على ناصية القلب ويمتلك زمام أقفال الفؤاد، حارساً للنغم الجميل، ومغنياً بوافر الإحساس والكلم الرطيب، ومؤذناً بالموسيقى العذبة والخرافية الشجية.
كيف كان
ولد خليل إسماعيل في حي القبة الشهير بمدينة الأبيض غرب السودان، متحدراً من أسرة اشتهرت بالمرح والطيبة والطرب، وأسرة تضم العديد من المبدعين والساسة ورجال الدين والمجتمع: أبرزهم الرئيس الأسبق إسماعيل الأزهري، وعلي الأزهري، والشاعر محمد المكي إبراهيم، وآل الحلاج، والسادة الإسماعيلية. ويعرف خليل إسماعيل بأنه شخص مرح وفكه، وبعيد كل البعد عن مشاعر البغضاء والحسد.
وانتقل إسماعيل من الأبيض الى أم درمان في أواخر الستينيات ليملأ بصوته أثير الإذاعة، كما جرت العادة حين كانت الإذاعة هي الوسيلة الوحيدة التي يصل عبرها الفنان الى كل الناس. واشتهر بين زملائه بأنه «مطرب الفنانين»، بمعنى أن المغنين في السودان يغنون للناس، ولكنهم حين يودون أن يكونوا مستمعين، فإن مطربهم المفضل هو إسماعيل.
ينتمي الفنان خليل إسماعيل فنياً الى جيل الستينيات من القرن الماضي، وصوته مميز كمغني «تينور»، ولديه قدرات صوتية تكاد تدخله إلى «السوبرانو» من غير اصطناع. وبدأ حياته كغيره من المطربين السودانيين بترديد ما يعرف في السودان بأغاني «الحقبية»، الى أن قوي عوده، وبدأ يشق طريقه بالعمل الفني الخاص، وأوله أغنية «الأماني العذبة»، التي تعتبر ضمن أعذب الألحان السودانية. ومن بعد تعامل مع عدد كبير من الشعراء، ومنهم الشاعر المشهور محمد علي أبو قطاطي حتى تجاوز عدد أغنياته الـ 55 أغنية، أبرزها «الأماني العذبة»، و«جبل مرة»، و«قبال ميعادنا بساعتين”.
النهايات الحزينة
وكان خليل إسماعيل قد دخل المستشفى لعلاج الفشل الكلوي، وخضع خلالها لعملية غسيل الكلى لأكثر من مرة، وداهمه الموت بعد عملية غسيل الكلى، وشاركت في التشييع أعداد كبيرة من الفنانين والشعراء والصحافيين ونجوم المجتمع، وأقيمت سرادق العزاء في دار اتحاد الفنانين بأم درمان.
يوم رحيل فنان الفنانين غربت شمس الغناء الخالص، وبهتت أضواء الشجن العظيمة في الأغنيات، وتراجعت مستويات الموسيقى حزناً لأبعد الحدود.

التغيير

Exit mobile version