* بكثير من أدبيات المسؤولية والشجاعة خرج رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، معالي الرئيس البشير، خرج إلى الملأ بتصريحات جريئة بل هي الأكثر جرأة في الفترة الأخيرة، ربما تمنى كثير من المشفقين أن يكون مكانها الغرف المغلقة إمعانا في ممارسة المزيد من ثقافة (الغطغطة)، التي قد تفضي إلى الانفجار الجماهيري، وذلك ما لم يفعله معالي الرئيس الذي أعلن في رابعة النهار، أن حزبه يعاني ما يشبه حالة الانفصام بين القمة والقاعدة، ولو استمر الحال على ما هو عليه لا يستبعد الرئيس أن ينتهي المؤتمر الوطني إلى ما انتهت إليه أحزاب على شاكلة الاتحاد الاشتراكي و.. و.. * ربما أكون أسعد الناس بهذا التصريح الشاهق لطالما هتفت طويلا في المجامع بهذه المواجع، وقد يسعفني بعض الذين يتابعون ما يكتب في هذه الزاوية، على أن مؤسسة الملاذات، الجناح الفكري، قد تعرضت كثيراً لخطورة مآلات هذه الثقافة التي ينتهجها (رموز المؤتمر الوطني).. التي أجندتها في واد وقضايا الجماهير وهمومها في واد آخر تماما، فقد درج قادة المؤتمر الوطني في الفترة الأخيرة أن يخرجوا إلينا باستمرار بتصريحات وبيانات، على الأقل ليست هي التي تخرج إليها الجماهير كل صباح، يخرج علينا الحزب الحاكم بأدبيات ومآلات (7+7) على أنها هي المعركة الفاصلة في قضايا الأمة السودانية، وفي المقابل تخرج الجماهير كل صباح إلى قضاياها (السبعين) التي ليس من بينها حوار النخب المترفة حول السلطة والثروة، تخرج الجماهير إلى قارعة الطرقات والأسواق بحثا عن الخبز ومصروفات الدراسة وتغطية فواتير الكهرباء والماء، وبعد عناء يوم مرهق يتسور الفقراء والكادحون أجهزة الحكومة الإعلامية ليسمعوا ولو عبارة يتيمة تبشرهم، بأن الحكومة ستزرع في هذا العام ثلاثة ملايين فدان قمح وفرت لها كل المعينات من الآن، وأن حلولا جذرية قد وضعت لمشروع الجزيرة لا محالة هذه المرة ستأخذه إلى بر الإنتاج، وأن حلولا طموحة أخرى قد وضعت لاختراق أزمة المواصلات، على أن في المستقبل القريب جدا ستذلل كل الصعوبات و.. و.. فبدلا عن ذلك يخرج علينا سياسيو الحزب الحاكم في المساء يبشروننا بأن (سبعة + سبعة) قد أوشك ميقاتها وانطلاق فعالياتها، وأخبار أخرى على شاكلة.. أن الخرطوم ستستضيف غداً ندوة (هيكلة الأحزاب الأفريقية في ظل التطورات الديناميكية في مكنونات الخطاب الثنائي) !! وقديما قال أهلنا في البادية “الزول بونسو غرضو.. وأنا غرضي إن ما انقضى خلي دار جعل تنهد” !! * سيدي معالي الرئيس، ولقد رأينا دائما أن الحوار يفترض أن يكون مع الجماهير صاحبة (الوجعة) والمصلحة، لا عن طريق أدبيات انتداب وإضافة بعض من يمثلوها، ولكن عن طريق مخاطبة قضاياها مباشرة وعمل اختراقات كبيرة في ما يشغلها ويرهق كاهلها. * ولو أنهم – سيدي معالي الرئيس – في المركز والولايات، أخذوا بوصيتكم المغلظة في استدراك معاش الناس وحمل همومهم لما حدث هذا الشرخ الجماهيري، فقضايا الحوار الوطني الذي شغل الساسة وقادة الحزب، هو بالأحرى محاولة لتسكين بعض النخب في بعض المفاصل والبحث عن دور لهم، وفي المقابل إن (حوار الجماهير) بتبني قضاياهم وتكرارها والانفعال بها، هو لعمري تسكين لكل الشعب وتمكينه من فصول العيش الكريم.. وليوفقكم الله، سيدي معالي الرئيس، في تخطي حواجب المكاتب وحجب النخب للنزول، حيث أنفاس الجماهير كما عهدناكم دائما.