اتفق المشاركون في مؤتمر “الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل” الذي نظمته دار الإفتاء المصرية في القاهرة على ضرورة تجديد علوم الفتوى وفق التغيرات المحيطة بالواقع الإسلامي، كما حذروا من خطورة ضعاف العلماء عبر نشر الفكر المتطرف.
المؤتمر الذي انطلقت أعماله الاثنين واختتمت أمس الأربعاء حضرته وفود من خمسين دولة، وناقش أربعة محاور رئيسية، هي: الإفتاء وأثره في استقرار المجتمعات، والفتاوى ومواجهة التطرف، والوسطية في الإفتاء والتجديد في علوم الفتوى، والإفتاء والتنمية.
وفي كلمة بالمؤتمر قال مفتي الديار المصرية شوقي علام إن الأمة الإسلامية تواجه أمية دينية وفتاوى من وصفهم بأشباه العلماء الذين يشوهون الدين.
ولفت إلى محاولة من وصفهم بالأقزام تهديد سلام الأوطان وتأجيج الفتن عبر الفهم الخاطئ للدين، داعيا إلى ترسيخ مبادئ الوسطية في الفتوى، وطالب بترك الحديث في المسائل الدقيقة للمختصين في الفتوى.
كذلك دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى إعادة النظر في بعض الفتاوى كونها غير متوافقة مع الواقع، لافتا إلى أن التساهل في فتاوى التكفير كان له دور في انتشار أعمال القتل.
ونبه الطيب إلى ما سماها “خطورة العرف” وأثرها على تكييف الفتوى وجنوحها إلى التشدد.
وأثناء الجلسة الختامية للمؤتمر أكد رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب حاجة العالم الإسلامي إلى الفتوى الوسطية، مضيفا أن الفتاوى أصبح فيها كثير من الشوائب، ويستخدمها من وصفهم بـ”الإرهابيين” لزعزعة الأمن.
وأضاف أن دار الإفتاء المصرية حريصة على دعوى المفتين من العالم للوصول إلى بلورة إستراتيجية واحدة لمحاربة التكفير.
وطرح المؤتمر مبادرات إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الفتوى ومركز عالمي لإعداد الكوادر القادرة على الإفتاء عن بعد، وكذلك مركز عالمي لفتاوى الجاليات المسلمة.
وتضمنت توصيات المؤتمر الدعوة إلى ميثاق شرف لمهنة الإفتاء، والتأكيد على ضرورة ابتعاد مؤسسات الإفتاء عن السياسة الحزبية، وكذلك دعوة أجهزة الإعلام باعتبارها شريكة في معالجة أزمة فوضى الفتوى للاقتصار على المفتين المتخصصين في برامجها الدينية.
وكان المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام أعد دراسة في نهاية 2014 عن مدى ثقة المجتمع المصري بالفتاوى الرسمية التي تصدر عن الأزهر ودار الإفتاء.
وخلصت الدراسة إلى أن ٧٩٪ من المجتمع المصري لا يثقون بالفتاوى الرسمية الخاصة بالزواج والطلاق، و82٪ من المجتمع المصري يثقون بالفتاوى الرسمية الخاصة باستطلاع هلال رمضان والأعياد، لكن نسبة الثقة تنخفض إلى ٢٩٪ في الفتاوى الرسمية الخاصة بالسياسة والمجتمع.
وقال مدير المركز مصطفى خضري إن هناك مساحة من عدم الثقة بين رجال الدين الرسميين والمجتمع المصري منذ سنوات.
وعن فعالية مؤتمرات دار الإفتاء أوضح خضري للجزيرة نت أن تلك النوعية من المؤتمرات الرسمية ليس لها مردود على المستوى الشعبي، مشبها إياها بحوار الطرشان.
وأضاف أن الرأي العام المصري لا يشغل باله بهذه الفعاليات، خصوصا أن المدعوين لها يتعاملون معها من باب بدلات الحضور والمكافآت الوظيفية، على حد قوله.
ووفق الكاتب الصحفي أحمد القاعود، فإن الأنظمة الشمولية كالنظام المصري تركز جهودها على قضايا ليست أساسية في حياة المجتمع، كالحرب المصطنعة على الإرهاب وتجديد الخطاب الديني، وتترك القضايا الحقيقية كالحرية وتعزيز الديمقراطية والتنمية.
وأوضح القاعود للجزيرة نت أن السلطة المصرية تعتقد أن الناس ينتظرون فتاوى معينة لممارسة تصرفات عنف ضد الدولة، بينما في الحقيقة إرهاب الدولة هو الذي يصنع العنف. وقال إن “من يريد استخدام العنف لرد مظلمة أو للقصاص لن ينتظر فتوى من أحد”.
ولفت الكاتب الصحفي إلى سعي السلطة لتطوير الخطاب الديني بدون مشروعية، وأردف أن “الإسلام الذي تريده الدولة على هوى الحاكم يحرض على قتل المعارضين ونهب أموالهم”.
وعن ظاهرة فوضى الفتاوى، قال إن المسؤول عنها هو النظام السياسي الذي تعمد تغييب الحرية والديمقراطية. ورأى أن الحرية تهذب سلوك الجميع وتجعل الناس يستخدمون عقولهم ولا يلجؤون للاستفتاء عن قضايا صغيرة.
من جهته، وصف الشيخ محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف السابق مفتي مصر بأنه “مفتي الإعدامات”، في إشارة إلى تصديقه على أحكام قضائية تقضي بإعدام معارضين للسلطة.
وأضاف في تصريح تلفزيوني أن المفتي ينفذ تعليمات الأجهزة الأمنية، منتقدا نعته بعض مصدري الفتاوى بأشباه العلماء.
الجزيرة