اشتهر السيد أسامة داود عبد اللطيف (مالك إمبراطورية دال)، وأحد أبرز وأنجح رجال الأعمال السودانيين بقلة ظهوره في وسائل الإعلام، وابتعاده عن الأضواء، إلى درجة أنه لم يجر طوال تاريخه سوى حوار صحافي وحيد، استنطقته فيه الزميلة المتميزة صباح موسى لـ(اليوم التالي) في أيامها الأولى، وأثار وقتها ضجة كبيرة، لقيمة ما ورد فيه، ولأن صاحبه نادراً ما يتحدث على الملأ، علاوةً على حبه للابتعاد عن الأضواء والمناسبات العامة.. إمبراطور (دال) اختار أن يخرج عن صمته أمس، عبر لقاء صحافي مصغر، حضره بعض الزملاء، وكانت (اليوم التالي) حاضرة فيه برئيس تحريرها، وأحد أبرز كتابها، ونعني به الزميل الأستاذ عادل الباز، ودار محور الحديث حول القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزارة المالية بفك احتكار استيراد الدقيق والقمح، بدلاً من حصره على ثلاث شركات، أولاها شركة (سيقا) التي يمتلكها أسامة داود، وكانت تستأثر بما نسبته ستون في المائة من مجمل المستورد من السلعة الإستراتيجية، وما لحقها من اتهامات باحتكار الدقيق والقمح، واستغلالها لهما في تصنيع منتجات خاصة، تباع بما لا يتناسب والسعر المدعوم الذي تناله من الدولة للدولار وقيمته (2.9) جنيه للدولار. أسامة داود بدا منفعلاً بعض الشيء أثناء حديثه، على الرغم من أنه حافظ على نبرته الخافتة، ومنطقه القوي.
سألنا السيد أسامة داود في البدء، عن مبررات حديثه للصحافة هذه المرة، بعد أن ابتعد عنها عمداً لسنوات، فرد قائلاً: “خلال الأيام الماضية قاد وزير المالية حملة تحدث فيها عن وجود احتكار لتجارة الدقيق والقمح، وما ردده عن الاحتكار غير صحيح، لأن الدولة سمحت لعدد كبير من الشركات بالعمل في هذا المجال، ومكنتها من استيراد أكثر من مليون وأربعمائة ألف طن، فكيف يتحدث السيد الوزير عن احتكار ثلاث شركات لاستيراد الدقيق؟ وأحب الإشارة إلى أن العمل في صناعة الدقيق لا يحوي أرباحاً عالية، لكن حجم العمل فيها ضخم، وقد استثمرنا فيها أكثر من سبعمائة مليون دولار، علماً أننا نبيع جوال الدقيق بمائة وخمسة عشر جنيهاً في حين أن سعر الدقيق المستورد بلغ مائة وثلاثين جنيهاً للجوال خلال فترة توقف (سيقا) عن العمل”، وأكد أنهم لن يتوقفوا عن العمل في السودان ولو اضطروا للمواصلة بالخسارة، نافياً كل ما يتردد عن أنهم يرغبون في نقل استثماراتهم خارج السودان.
وذكر أسامة داود أنهم بدأوا عملهم التجاري والصناعي قبل أكثر من أربعين عاماً، وأنه شخصياً باشره في مستهل العام 1975، بشركة التراكتورات السودانية، التي عملت تعمل في مجال تجهيز الآليات لمشروع الجزيرة ومصانع السكر، وذكر أنهم أنشأوا شركة دال للخدمات الزراعية وكانوا يباشرون تحضير الأراضي للمزارعين ويتسلمون منهم الذرة مقابل ذلك، وقال: “بدأنا في تصدير الذرة واستيراد أجود أنواع الدقيق (رأس الثور)، وباشرت مطاحن (سيقا) عملها في العام 1995، بطاقة إنتاجية صغيرة، قدرها 300 طن في اليوم، وأعادت استثمار كل الأرباح من مجموعة دال وأكثر حتى وصلت اليوم بحمد الله إلى طاقة قدرها 5500 طن في اليوم”، واستطرد قائلاً: “استيراد القمح كان يتم بوساطة البنوك التجارية وكنا نشتري الدولار من السوق وقتها، وبعد 1996 توافرت العملات الأجنبية في البنوك التجارية بالسعر الجاري واستمر ذلك لسنوات، شهدت استقراراً ونشاطاً مكثفا لتجديد وزيادة أعمالنا”.
أكد أسامة داود أن السيد بدر الدين وزير المالية الحالي كون في شهر سبتمبر من العام 2013 (بصفته نائباً لمحافظ بنك السودان وقتها) لجنة ضمت ممثلين لوزارة المالية ووزارة الصناعة ووزارة التجارة والبنك المركزي والأمن الاقتصادي، ووكلاء الوزارات المذكورة للتفاوض مع المطاحن والتوصل للتكلفة، وفي شهر نوفمبر من العام 2010 تم الاتفاق على سعر بيع جوال الدقيق لكل شركة من الشركات الثلاث، وحددت اللجنة مبلغ (105 جنيهات لشركة سين للغلال، و114 جنيهاً لشركة (ويتا) و115 جنيهاً لشركة سيقا) والتزمت المطاحن بالسعر المذكور حتى اللحظة، وقد تم تقديره بناءً على الكلفة الحقيقية للاستيراد، مقارنةً بالسعر المدعوم للدولار.
أشار أسامة داود إلى أن الشركات الثلاث ظلت تطالب بمراجعة تلك التكلفة والتسعيرة، ولم يتم ذلك إلا قبل أسابيع من الآن، وتم اتخاذ قرار بتعديل سعر الصرف من 2.9 الى 4 جنيهات، مع الاحتفاظ بذات الأسعار التي أقرت قبل خمس سنوات من الآن، وأوضح أنهم رفضوا الطلب لأنه لا يتناسب مع الكلفة، وطلبوا من الوزير مراجعته فوافق على التفاوض مع اللجنة، وبعد مفاوضات توصلوا إلى سعرٍ جديد وفوجئوا بالوزير يعلن قراراته الأخيرة من دون إفادتهم بالسعر الجديد للجوال.
الوزارة فرضت الاحتكار
نفى أسامة داود أن يكونوا قد سعوا للاحتكار أو طالبوا به، وقال: “لم نطالب باحتكار، وقرار إسناد استيراد الدقيق والقمح للشركات الثلاث اتخذته الحكومة، عبر القرار المذكور أعلاه، الذي أتى مشروطاً بتوفير القمح للمطاحن من خلال المخزون الإستراتيجي والقمح المحلي ولم تتوقف تلك المطاحن عن العمل مطلقاً”، وذكر أسامة داود أن عددا مقدرا من المطاحن الأخرى ظلت تستورد القمح بذات الشروط التي عملت بها مطاحن (سيقا) منذ العام 2010، وقد بلغت الكمية أكثر من 140 ألف طن، وتساءل: “أين هو الاحتكار، ومن الذي سمح لتلك الشراكات باستيراد القمح طالما أنه ظل محصوراً في ثلاث شركات كما يزعمون؟”
من يحتكر الآخر؟
ذكر أسامة داود أن الدولة فرضت عليهم سعر صرف الدولار، وألزمتهم به، وظلت توفر الموارد من النقد الأجنبي حسبما تريد ولمن تشاء، وتحدد الأسعار، وتراقب أداء المطاحن والمخابز، وذكر أنهم كانوا الأكثر تضرراً من تلك السياسة، لأن مبيعاتهم تدنت نتيجةً لتلك السياسة، وجدد تساؤله: “أين كان الاحتكار المذكور وقد اضطررنا إلى التوقف عن العمل خلال الفترة التي سبقت القرار الأخير، بينما استمرت كل المطاحن الكبيرة والصغيرة في العمل بكامل طاقتها؟”.
العبوات الصغيرة
بخصوص الاتهامات التي تلاحق أسامة داود وشركاته بخصوص استغلال القمح المستورد (والمدعوم بسعر صرف منخفض) في تصنيع بعض المنتجات الخاصة وبيعها للمواطنين بأسعار عالية قال أسامة: “زرعنا القمح وأنتجنا أكثر من عشرة آلاف طن محلياً، وصنعنا منه المكرونة وصدرنا كميات قليلة بتصديق من وزارة التجارة (في حدود 30 ألف دولار) وصدرنا بعض منتجاتنا إلى السعودية ونجحت في المنافسة مع كل المنتجات العالمية، وكانت تجربة ناجحة ومفيدة، واستلمنا المبالغ بوساطة البنك التجاري، ولذلك قررنا إنشاء مطحن بطاقة 750 طناً في اليوم بالمنطقة الحرة في بورتسودان، مع مصنع آخر للعلف وقريباً سندشن مصنعاً للمكرونة ونخصص إنتاجه لصادر السعودية والخليج”.
أوضح أسامة داود أن كل تلك المنتجات تم حساب كلفتها بأسعار الدقيق المدعوم، بموافقة اللجنة المشرفة على الأمر، وذكر أن المكرونة والشعيرية أصبحت أرخص وجبة متوافرة للفقراء، بل تعتبر الأدنى سعراً من بين كل المنتجات الغذائية في السودان، وقال: “أنتجنا العبوات الصغيرة بنوعيات مختلفة، تستعمل في المنازل لإعداد (القراصة) واستخدامات أخرى بديلة للخبز، وبعد القرارات الأخيرة التي أصدرها وزير المالية سيباع دقيق تلك المنتجات بحساب كلفته بالسعر الرسمي للدولار (6.5) جنيه للدولار، مما سيحدث زيادة كبيرة في الأسعار للمستهلك”، وتساءل: “كيف يفتح الوزير عطاءات لشراء كميات كبيرة من القمح في حين أن شركة (سيقا) تمتلك عدة بواخر محملة بحوالي 260 ألف طن مثلما تمتلك شركة ويتا ثمانين طناً محملة في بواخر متوقفة في الميناء لأكثر من أربعة أشهر؟”.
المستورد يكلف أكثر.. والمخلوط وهم
نفى أسامة داود رغبتهم في منافسة الحكومة في تجارة القمح والدقيق، وقال إن (المخزون الإستراتيجي) صار منافساً للقطاع الخاص في هذا المجال، لأن الدقيق المستورد بوساطته سيباع لنفس زبائنهم، مع أن الجهة المستوردة لا تدفع ضرائب ولا رسوماً للدولة، بينما يدفعون هم مبالغ طائلة، وتساءل “لماذا يتم استيراد الدقيق بوساطة المخزون الإستراتيجي، وهل تم تقييم تجربته في مجال استيراد القمح والدقيق؟ ما هي إمكانيات المخزون في التفريغ والتخزين؟” وذكر أن استيراد الدقيق بالطريقة الجديدة سيزيد كلفة الاستيراد بما قيمته مائتا مليون دولار، ولخص حديثه بحسبة بسيطة، مفادها أن إنتاج مليون طن من الدقيق يتطلب استيراد مليون ومائتي ألف طن من القمح، وسعر الطن في الأسواق العالمية يبلغ ثلاثمائة دولار، وهذا يعني أن كلفة استيراد الكميات المذكورة تبلغ 360 مليون دولار، بينما سيكلف استيراد مليون طن من الدقيق 480 مليون دولار (بسعر 480 دولاراً للطن الواحد) وهذا يعني أن الدولة ستدفع 120 مليون دولار إضافية لإنتاج مليون طن من الدقيق، مع ملاحظة أن الاستيراد المباشر للدقيق سيعني اختفاء (الرَدَّة) التي تستخلص بعد الطحن محلياً، كما يعني تشريد معظم العمالة التي تعمل في المطاحن المحلية، وذكر أن الحديث عن الخبز المخلوط مجرد (وهم) لأن الذرة التي يفترض أن تخلط مع القمح غير متوافرة وأسعارها غالية، وقال إن استيراد الدقيق مباشرةً من دون الاستعانة بالمطاحن المحلية سيزيد كلفة استيراد القمح بحوالي مائتي مليون دولار خلافاً لما يزعمه وزير المالية، وذكر داود أن الاتجاه لاستيراد مليون طن من الدقيق تم بلا دراسة لتجربة استيراد الدقيق التركي، وأن من مجمل سبعمائة ألف طن دقيق تم استيرادها عبر (المخزون الإستراتيجي) فسدت منها 152 ألف طن، وأن القمح المستورد مؤخراً يعتبر الأردأ والأعلى سعراً في تاريخ السودان، بل هو الأغلى ثمناً في العالم أجمع، علاوةً على سوء مواصفاته بدليل أن هيئة المواصفات والمقاييس رفضت حمولة باخرة كاملة لأنها شحنت من خمسة موانئ، والقمح الجديد لا يمكن طحنه إلا بعد خلطه بكميات كبيرة من القمح الكندي. وانتقد أسامة داود تجربة استيراد القمح بوساطة المخزون الإستراتيجي تحوي نواقص كبيرة لأن الجهة المستوردة لا تمتلك بنيات أساسية، ومع ذلك هناك رغبة في الاستمرار فيها، وقال إن صوامع البنك الزراعي تسع خمسين ألف طن وتستخدم لتخزين القمح والذرة سوياً، والاستيراد سيتم لمائتين وخمسين ألف طن من القمح، علاوةً على مشاكل الترحيل، علماً أن ما تدفعه سيقا للسكة الحديد يغطي مرتباتها بالكامل، وانتقد داود التجربة مشيراً إلى أنها ستعاني من مصاعب جمة لأن (سيقا) تمتلك خبرة نوعية في هذا المجال، وأنها على مدار العام تمتلك باخرة تفرغ وأخرى في عرض البحر وثالثة تشحن.
السعر المدعوم ناتج عن الدولار المدعوم
تعرض السيد أسامة داود إلى الخلط المصاحب لأمر الدولار المدعوم الذي تقدمه الدولة للمطاحن، وهو يعني توفير الدولار للبنوك التجارية بقيمة (2.9) جنيه للدولار، بدلا من السعر الرسمي الحالي (6.5) جنيه للدولار، لتتولى وزارة المالية دفع فارق السعر لبنك السودان وتتحمله لدعم السعر للمواطنين، وقال: “التكلفة المتفق عليها لسعر جوال الدقيق تأخذ ذلك الاعتبار ولذلك تم تحديد سعر بيع الجوال بقيمة 116 جنيهاً للجوال ولولا ذلك لقفز سعر جوال الدقيق إلى أكثر من ذلك بكثير، ولصار سعر الخبز (رغيفتان بجنيه واحد) بدلاً من أربع قطع خبز مقابل الجنيه، واصفاً ذلك السعر بأنه الأرخص في كل المنطقة المحيطة بالسودان، وأشار أسامة داود إلى أن المتغيرات الاجتماعية المتمثلة في نزوح الكثيرين إلى المدن وارتفاع عدد سكان العاصمة إلى أكثر من تسعة ملايين نسمة أدى إلى حدوث تغيير في النمط الاستهلاكي للمواطنين، الذين اتجهوا بكلياتهم إلى الخبز بدلاً من الذرة وتسبب ذلك في زيادة مضطردة لمعدل استيراد القمح حتى وصل في 2014 إلى ثلاثة ملايين طن، وذكر داود أن كل تلك الأسباب صنعت ضغوطاً إضافية على البنك المركزي لتوفير العملة الأجنبية المخصصة لاستيراد الدقيق والقمح وتزامن ذلك مع تقلص دخل البترول نتيجة لانفصال الجنوب، كما تطرق إلى وجود كميات مقدرة من الدقيق يتم تهريبها إلى بعض الدول المجاورة، وقال إن انخفاض سعر الدقيق في السودان شجع المهربين على أخذه لدول أخرى عبر الحدود للاستفادة من فارق السعر، وذكر أن محاربة التهريب مسؤولية الدولة.
استيراد القمح
بخصوص استيراد القمح ذكر داود أن شركتهم (سيقا) شرعت في استيراد القمح ببواخر صغيرة تحمل (25 ألف طن) وتدرجت لتستعين ببواخر أكبر حجماً تحمل (70 ألف طن) حالياً، وأن ذلك حدث نتيجة استثمارات ضخمة تمت للاستعانة بمعدات التفريغ مشيراً إلى أن شركة سيقا تستطيع تفريغ (20) ألف طن، يومياً، وأنشأت عدداً من الصوامع التي تمتلك سعة تخزينية تقدر بمائتين وخمسين ألف طن، كما استوردت عدداً من القطارات لتخفيض كلفة النقل، واستعانت بأسطول من الشاحنات لنقل القمح من الميناء إلى الخرطوم، وانعكست كل تلك الاستثمارات الضخمة إيجاباً في انسياب القمح للمواطنين وتقليل كلفته، مشيراً إلى أنهم كانوا يتوقعون أن يتلقوا إشادات بسبب اجتهادهم لتحسين البنية الأساسية لقطاع الدقيق بسبب ما أنفقوه فيها من مبالغ ضخمة، تقدر في مجملها بأكثر من مليار ونصف مليار دولار، وقال أسامة داود بغضب ظاهر: “لو استثمرت تلك الأموال في تجارة العقارات لجنيت منها مليارات الدولارات، لكنني فضلت استثمارها في مجال إستراتيجي، وبنيت عملاً ضخماً وناجحاً خدمت به وطني، فكيف أكافأ بالاتهامات والتشكيك والحديث عن (مافيا الدقيق)؟”.
وأكد أسامة داود أن مزارعهم أنتجت 35 جوالاً للفدان في الشمالية و18 جوالاً في الخرطوم حين بلغت إنتاجية الفدان بمشروع الجزيرة ما بين سبعة وثمانية جوالات، وفي الشمالية ينتج الفدان خمسة عشر جوالاً.
شراء القمح عملية معقدة
تطرق أسامة داود إلى الآلية المتبعة في شراء القمح واصفاً إياها بأنها تمثل عملية معقدة تعتمد على معرفة دقيقة بالأسواق العالمية والشركات الموردة والتسهيلات المالية المستخدمة في هذا القطاع، وذكر أن أنواع القمح تختلف في أسعارها بحسب المواصفات من ناحية فنية ويصل هذا الفرق إلى مائة دولار للطن أحياناً، وأكد أن مطاحن (سيقا) تنتج نوعية متميز من القمح الكندي والأسترالي عالي الجودة والبروتين والصلابة، وأن ذلك الدقيق ينتج أكثر من ألف قطعة خبز للجوال الواحد، بمستوىً عال في الجودة في حين النوعيات الأخرى من القمح (الهندي والروسي والأوكراني) تنتج ما بين ستمائة إلى سبعمائة قطعة خبز للجوال، وأشار إلى أن القمح المحلي يزرع بتقاوي مختلفة وليس من نوع واحد لذلك يصعب التعامل معه في الطحن، وقطع بأنهم اتفقوا مع وزير المالية على تسلم ودفع قيمة 60% من إنتاج هذا الموسم وتسلموا حتى اللحظة حوالي (80) ألف طن، وما زال التسلم مستمراً على الرغم من أن سعره يزيد بما نسبته 25% عن تكلفة القمح المستورد، وقال: “برغم ذلك نحن نؤيد سياسة دعم المزارع الوطني وقد استثمرنا أموالاً مقدرة في زراعة القمح في أبو حمد والخرطوم وأنتجنا عشرة آلاف طن في العام الحالي”.
التمويل أكبر مشاكل القمح
أجمل أسامة داود مشاكل إنتاج القمح في عملية التمويل، وذكر أنهم يتمنون أن يستجيب وزير المالية لطلباتهم الخاصة بتخصيص المبالغ المتوافرة من رفع الدعم للزراعة وقال: “نحن على استعداد للقيام بدور كبير نسبة لأننا استثمرنا في زراعة نوعيات جيدة وأدخلنا طرقاً جديدة لزراعة القمح خاصة في شمال البلاد، وخصصنا مبالغ مقدرة لأبحاث التطوير، وذكر أن مطاحن سيقا تحتفظ بمخزون إستراتيجي يفوق المائتي ألف طن من القمح طن وأنها فعلت ذلك من دون أن تنال مليماً من الدولة، بل طلبت من الوزير أن يعتبر ذلك المخزون جزءاً من المخزون الإستراتيجي للدولة من دون أي كلفة إضافية على الخزانة العامة، وأن يفرض ذلك على المطاحن الأخرى، وقال: “سنركز في الموسم القادم على إنتاج البذور والتقاوي المحسنة لتعظيم دورنا في دعم مشروع توطين القمح وهذا يحتاج لتكنولوجيا عالية وإمكانيات مادية وتقنية تتوافر لدينا بحمد الله”.
استيراد الدقيق
ذكر أسامة داود أن وزير المالية ذكر أن الدولة تنوي استيراد ما نسبته 30% من احتياجات البلاد كدقيق (300 ألف طن بالإضافة إلى عطاء جديد بالكمية نفسها) وأكد أنهم يرفضون ذلك التوجه، وأشار إلى أن وزير المالية الحالية برفقة الدكتور المتعافي طلبا منه استيراد دقيق من تركيا قبل خمس سنوات وأنه رفض طلبهما لأنهم مصنعون ولا يرغبون في جني أرباح سريعة بالمضاربة في سوق الدقيق، الذي يعرفونه جيداً لسنوات، وذكر أنهم يفضلون بناء صناعتهم الوطنية داخل السودان، وأوضح أن قرار احتكار استيراد القمح للمطاحن صدر بعد ذلك بفترة، وقال: “لم نستورد خلال كل تلك الفترة أي كميات لقناعتنا التامة بأن ذلك يسبب ضرراً بالغاً للاقتصاد الوطني والصناعة الوطنية”.
زراعة القمح مكلفة
ذكر أسامة داود أن زراعة القمح لتوطينه بالكامل تحتاج إلى دورة ثلاثية أو رباعية، وأن إنتاج ثلاثة ملايين طن من القمح يحتاج إلى ستة ملايين فدان، بكلفة عالية، لأن كلفة زراعة الفدان الواحد تبلغ ثلاثة آلاف دولار، وهذا يعني أن زراعة ستة ملايين فدان ستكلف 18 مليار دولار، وتلك الكلفة ستكون الأعلى في العالم أجمع، وذكر أن طن القمح المستورد يصلهم بقيمة 970 جنيهاً، ويشترونه بألف ومائتين وخمسين جنيهاً، بينما تدفع الحكومة للمزارع 400 جنيهاً للجوال، والفارق بين السعرين يذهب لدعم المزارع الوطني، وأشار إلى أن كميات كبيرة من الخبز تستخدم كأعلاف بسبب انخفاض سعر الخبز مقارنة بالأعلاف.
نقاط سريعة
لا نستطيع أن نتفهم مسببات انتهاج السياسة الجديدة بوجود طاقات مطاحن تفوق حاجة البلاد.
الدقيق المستورد تم إحضاره بجودة متدنية وأسعار عالية
التكلفة التي عرضت علينا للدقيق المستورد غير مكتملة، وفي رأينا التكلفة الحقيقية تصل إلى 150 جنيهاً للجوال الواحد للدقيق.
في حالة استيراد 30% من احتياجات البلاد من الدقيق على هيئة قمح ستزيد التكلفة المنفقة على استيراد السلعة بأكثر من 200 مليون دولار.
كميات (الردَّة) التي تنتج من المطاحن ستتناقص بذات هذه النسبة في حال استيراد مليون طن من الدقيق الجاهز، مما سيؤثر على الإنتاج الحيواني (ألبان ولحوم) بدليل أن جوال الردة قفز إلى 145 جنيهاً في الأسبوع الماضي بسبب توقف مطاحن (سيقا) عن العمل.
القرار غير المدروس سيؤدي إلى توقف بعض المطاحن الوطنية، ويقلص فرص العمل ويرفع التكلفة.
لدينا مطاحن في المنطقة الحرة ببورتسودان بمقدورها توفير الدقيق بسعر يقل عن المستخدم في استيراد الدقيق التركي، ونتساءل عن مسببات اللجوء إلى استيراد الدقيق التركي دوناً عن غيره، بكلفته المرتفعة وقيمته الغذائية المنخفضة.
في العام المنصرم تكبدنا خسائر بلغت ستة ملايين دولار دفعناها كغرامات بسبب تأخير التحويلات.
عندما توقفت مطاحن (سيقا) عن العمل اضطراراً استمرت المطاحن الأخرى في العمل وعلى رأسها مطاحن (سين) للغلال، مع أن طاقتنا تمثل حوالي 60 في المائة من حجم العمل في الدقيق بالسودان.
الراجحي دخل كممول للقمح فقط، وهو لا يمتلك مطاحن ولا وسائل نقل ولا صوامع، ولا يشرف حتى على التعاقد مع الأتراك لشراء الدقيق.
تم إلزامنا بالعمل بذات الأسعار القديمة مع أن المطاحن تعمل بالمولدات 18 ساعة في اليوم، بسبب انقطاع الكهرباء، وذلك تسبب في زيادة كلفة الإنتاج.
مؤخراً صدرنا كميات كبيرة من منتجاتنا لليمن ولدينا مخطط لتصدير كميات مقدرة لتشاد.
قال معاوية البرير إن أسامة داود يستحق نيشاناً لأنه خدم وطنه، ومع ذلك كوفئنا بالاتهامات التي تشكك في نزاهتنا مع أننا أنجزنا الكثير للسودان بدرجة دفعت الدولة إلى إحضار بعض كبار الضيوف لزيارة مصانعنا كي تثبت لهم أن الصناعة الوطنية بخير وأنها متقدمة ومتطورة، وقد شهدوا بذلك عدة مرات.
السودان يحوي عشرة آلاف مخبز، منها ألفا مخبز في الخرطوم وحدها، وقطاع القمح يعاني من مشكلة بحوث، لذلك أنفقنا الكثير من الأموال على تطوير البحث العلمي وسنتجه إلى إنتاج تقاوي محسنة للقمح في الفترة المقبلة.
بدأنا عملنا باثنين وثمانين موظفاً وحالياً يعمل معنا ثمانية آلاف موظف.
حجم استثماراتنا في السودان بلغ أكثر من مليار ونصف مليار دولار وصنعنا نجاحاتنا بشفافية عالية ونواجه هجمة شرسة من أعداء النجاح.
ذكرت للوزير أن عملنا المتقن يستحق منه أن يخصص له عدة ساعات أسبوعياً للوقوف على المشاكل التي تواجهنا وتذليلها بدلاً من اتهامنا بالاحتكار.
نتساءل: لماذا تريد الحكومة تضخيم دور القطاع العام وتحجيم القطاع الخاص؟ ما الفائدة التي ستعود على اقتصاد السودان من تلك السياسة؟
المخزون الإستراتيجي يستخدم عادةً في الطوارئ وليس التجارة فلماذا يتدخل لمنافسة القطاع الخاص في عمله طالما أن القطاع المذكور يؤدي عمله بكفاءة وإتقان؟
لسنا سياسيين ولا نعمل في السياسة، نحن مستثمرون فقط.
خياراتنا ستنحصر في العمل بالخسارة أو تقليص حجم الأعمال لتقليص حجم الخسائر المتوقعة.
كيف يتطور الاستثمار الوطني إن كانت بعض الجهات تصدر قرارات غير مدروسة يمكن أن تعطل استثمارات وطنية ضخمة؟
لدينا بواخر متوقفة في بورتسودان لأكثر من أربعة أشهر، فكيف يتم استيراد قمح بأسعار أعلى من الذي تحويه تلك البواخر؟
ما يحدث في قطاع الدقيق سيؤدي إلى فوضى كبيرة، ونتساءل: كيف سيتم استيراد الكميات التي تتحدث عنها وزارة المالية من دون أن تصاحبها مشاكل عدة في النقل والتخزين.
القرارات الأخيرة ستكرر مأساة السكر المدعوم، لأن السودان هو الدولة الوحيدة التي تدعم المستورد وتثقل على الإنتاج الوطني بالرسوم، بدرجة جعلت بعض مصانع السكر السودانية على شفير الإفلاس.
لو استثمرنا أموالنا في تجارة الأراضي لكسبنا أموالاً ضخمة لكننا فضلنا أن ننهض بقطاع الصناعة الوطنية.
لا ندري ماذا نفعل، الصناعة تحتاج إلى استقرار في السياسات، والقرارات المتخبطة لا تساعد على توفير الاستقرار المنشود.
لو عايزين يدمرونا أحسن يكلمونا عشان نطلع بي أخوي وأخوك.
خلال الشهور الماضية ظلت مصانعنا تعمل بنصف طاقتها، أما المطاحن فقد توقفت مرتين.
الخرطوم – مزمل أبو القاسم
صحيفة اليوم التالي