* القيادات التي خرجت، تحديداً “علي عثمان” و”نافع” هل انتهى دورهم السياسي أم أنهم لا زال لديهم فرصة للعب دور سياسي أساسي؟
بطبيعة الحال أوضاعهم لن تكون كما كانت ومهما كان الشخص قدراته عالية جداً وتجربته عالية في نهاية الأمر لابد أن يختفي، لكن أنا افتكر الحزب الآن محتاج جداً لهذه القيادات ولأي شخص فقط بشرط ألا يغطي على القيادات الجديدة.
* هل هنالك أي دلالات محددة لاختيار شخصية المهندس “إبراهيم محمود”؟
# أولاً الباشهمندس “إبراهيم” لديه ميزات شخصية هو يمثل وضع معين كقيادي من شرق السودان، وهذا أول مرة يرى الناس قيادي من شرق السودان يأخذ مثل هذا الموقع. ثانياً لديه قدرات شخصية وهو مهندس زراعي ولديه إضافات كثيرة، وعمل في كل مناطق السودان وفي مستويات مختلفة، عمل محافظاً ووزيراً ولائياً وعمل والياً في دارفور وسنار ونهر النيل وفي كسلا وعمل في المستوى الاتحادي كوزير في وزارات مهمة (الداخلية، الزراعة، الشؤون الإنسانية). أنا افتكر هو إلى جانب تأهيله الأكاديمي وذكاءه وعدم تطرفه وتشنجه شخص محبوب وليس لديه عداءات، لديه مؤهلات سياسياً ومهنياً وهذه لديها قيمة كبيرة.
* بالنظر للتعقيدات الكثيرة في المؤتمر الوطني وربما المجموعات التي بدأت تتشكل، هل هو قادر على إدارة التعقيدات وربما الصراعات الموجودة في الحزب؟
# هو قادر على شيء واحد؛ أنه كقيادي ليس لديه طموحات شخصية وهذه تعزز الثقة في قيادته، فلو اتخذ أي قرار سيجد تأييداً كبيراً من عضوية الحزب.
* البعض يرى أن وجوده يسهل لبعض القيادات التي خرجت إدارة الحزب من وراء ستار؟
# يعني نوعاً ما، بعض القيادات قد تحاول استغلاله كإنسان ليس لديه أنصار وإنسان بطبعه لا يلم بالمواجهات.
* تحدثت للمجهر من قبل عن استبعادك لوحدة الإسلاميين في حين أن دكتور “الترابي” في فترة ماضية ظهر متفائلاً لدرجة أنه وضع توقيت زمني بإمكانية الوحدة بين الحزبين قبل رمضان المقبل، على ماذا اعتمدت في استبعادك للوحدة؟
# هذه الآمال موجودة ولكن الحديث كله يدور حول وحدة تنظيمين وهذا متاح، ولكن هل هذه هي الوحدة المطلوبة؟ الآن الإسلاميون أصبحوا مدارس كثيرة وأجيال كثيرة وأفكار كثيرة جداً، هم لم يبدأوا بوحدة فكرية وروحية، لذلك فأي التئام تنظيمي وارد (يتفركش) في ثاني يوم.
* ربما لأنهم يرون أنه لا خلاف فكري بينهم وهم في الأصل كانوا جسماً واحداً؟
# لكن الحقيقة الخلاف الفكري بدأ وهم متوحدين، وعندما حصلت المفاصلة فإن غياب الوحدة الفكرية لم يسعفهم لاحتواء الخلاف.
* بصراحة يا دكتور ربما يستشف البعض بأن هنالك خلاف أو شيء في النفس لدى د. “قطبي” تجاه د. “الترابي”؟
# لا بالعكس، أنا واحد من القيادات القليلة في الوطني التي ليس له مرارات مع الدكتور “الترابي” وبالعكس أنا كنت من أقرب تلاميذه في الستينيات، ومؤخراً عندما حصلت المفاصلة كان لديه مشاكل مع آخرين كانوا أقرب مني إليه. لكن بدأت أختلف معه ولكن ليس على المستوى الشخصي، بل في أفكاره الأخيرة التي خلقت فجوة كبيرة بيني وبينه بالرغم من أننا لم نحتك مع بعض لكن شعرت أن هنالك فجوة فكرية، وهذا شيء غريب لأن أساس علاقتي به في الماضي كانت متعلقة بأفكاره.
*هل لازال “الترابي” يمتلك القدرة على قيادة الحركة الإسلامية في حال حدثت الوحدة؟
# إذا أنا (المسكين ده) قلت لك في بداية الكلام أن الإنسان في سن معينة يجب أن يكون له دور مختلف، رغم أني أعتقد أن دكتور “الترابي” ما زال لديه عطاءً كثيراً في مجالات يحتاجها الناس، لكن ليس هو الشخص المناسب الآن ليقود الحركة الإسلامية، والقيادة طبعاً أنواع يمكن أن يكون (مرجعية) لكن قدراته الأخرى ليست كما كانت في السابق.
* أنت على معرفة بدكتور “علي الحاج” لماذا لم يعد حتى هذه اللحظة من ألمانيا؟
# الحقيقة د. “علي” ليس لديه مشكلة في أن يرجع، وبقاؤه ليس له علاقة بالعمل العام. هو الآن سيأتي في وضع مختلف جدا ً.. فـ”علي الحاج” بعد مرحلة “دريج” أصبح هو القائد الأول لدارفور خاصة بعد الإنقاذ، وهذا قد يكون الشيء الوحيد الذي فقده “علي الحاج”، لكنه إنسان سياسي محنك جداً وصاحب تجربة وما زال لديه عطاء للحركة الإسلامية، ولكن اعتقد أن هنالك أمور شخصية أعاقت مجيئه.
*ألا توجد مشاكل قانونية وجنائية تعوق عودته؟
# لا لا .. إذا كان الذين يرفعون السلاح قد عادوا.
* بصراحة هل لدكتور “علي الحاج” مخالفات في طريق الإنقاذ الغربي؟
# لا أعتقد .. لكن كانت هنالك مشاكل إدارية جعلت الناس لا يضبطوا الشركات العاملة في الطريق، فبعضها محتالة نهبت الأموال. ولكن السودانيون الذين كانوا مسئولين وموجودين داخل السودان مثل “آدم يعقوب” وغيره لم يطالهم القانون بأي شيء وعالجوا أوضاعهم في هذه المسألة وهي مخالفات إدارية ولم تكن مالية ولا قانونية ولا أعتقد أن هذه مشكلة.
* ننتقل لتشكيل الحكومة الحالية، ما هي رؤيتك للتشكيل الذي أعلن مؤخراً؟
# بالنسبة للحكومة الاتحادية أنا كان رأيي مختلف جداً وكنت أفتكر أن هذه البلد تواجه أزمات حقيقية وكبيرة وأنت تحتاج لأناس يعالجوا هذه الأزمات ولديهم القدرة ومؤهلات يغيروا الوضع. في هذه الحالة يجب أن تكون هذه أولوية على قضية أن تأتي بشخص لترضي مجموعة على مستوى الإدارة العليا. أنا كان رأيي أن تكون حكومة تكنوقراط.
* حتى لو كان هؤلاء التكنوقراط من خارج الوطني ؟
# حتى لو من خارج الوطني، المهم أن يكون الإنسان وطنياً وكفؤاً .. فالقضية قضية وطن .. وهذه مهمة ليستعيد الناس ثقتهم في الجهاز التنفيذي.
* إلى أين ستصل مآلات الحوار الوطني في تقديرك؟
# هو بدأ يتعثر منذ البدايات، والصراعات الحزبية تغطي عليه، وفي تقديري أن الحوار الحالي ليس لديه أي مستقبل. وحتى لو نجح من خلال إشراك الناس جميعاً وحتى الذين يحملون السلاح “عقار” و”الحلو” و”عرمان” وإدخالهم الحكومة فهذا لن يحل مشاكل البلد.
* في يوم من الأيام أنت كنت مديراً للمخابرات كيف تنظر لإدارة الملفات الخارجية من بعدك، بالذات في العلاقة مع أمريكا ودول الجوار والخليج وإيران؟
* بالنسبة للعلاقات الخارجية الجهاز دوره فيها تناقص جداً .. وغلبت الطبيعة الأمنية على الطبيعة السياسية. وفي الماضي كان هنالك جهاز المخابرات (الأمن الخارجي) وكان عمله عمل معلومات ومرتبط بالعلاقات الخارجية. الجزء الثاني كان جهاز الأمن وكان جزءاً من الداخلية وهو الجهاز الأكبر، ولكن عندما تم دمجهما طغى الجانب الأمني على السياسي، والآن هم عملهم واسع جداً في الساحة الداخلية، على عكس عملهم في الجانب الخارجي. رئاسة الجمهورية أخذت كثيراً من الأمر الخارجي.
* هل تعني أن الدمج بين الجهازين كان خطأ؟
# نعم خطأ إستراتيجي .. وأنا استغربت له جداً لأن الرئيس بالذات في سنة 95 كان رأيه أن لا يكون هنالك جهاز واحد حتى يستطيع أن يعمل، وهذا كان رأيه وكان سليم جداً ..
*هل استطاع السودان إدارة العلاقات مع أمريكا بالطريقة الصحيحة؟
# الشيء الذي لم يستطع السودانيون استثماره هو حكومة “أوباما” .. أنت لديك حكومة رئيسها “أوباما” ووزير خارجيتها “كيري” كان يفترض أن تنصلح العلاقات عبرها.
* أين المشكلة إذاً، لماذا لم يتم استغلال وجود “أوباما”؟
# المشكلة أن لدينا أعداء أقوياء جداً في أمريكا لا يريدون للعلاقة أن تتحسن، بجانب اللوبيات المرتبطة بأمريكا .. الأمريكي المنصف عندما ينظر لأمور السودان لا يجد مبرراً لهذا العداء .. السودان كدولة وكنظام وحكومة هو جهاز معتدل جداً بكل المقاييس الأمريكية وهو مستعد يتعامل مع أمريكا في إطار المصلحة المشتركة وليس لديه مشكلة مع أمريكا لا تاريخية ولا حاضرة.
* يا دكتور قد يكون مفهوماً مخاطبة الإدارة الأمريكية لكن كيف يمكن مخاطبة مجموعات الضغط واللوبيات المرتبطة بإسرائيل؟
# هذه صعبة جداً .. وننتظر زيارة البروف “إبراهيم أحمد عمر” لأمريكا ..ولكن يجب أن نخاطب اللوبيات الأخرى في أمريكا التي يمكن أن تستفز المواطن الأمريكي والشركات ومنظمات كثيرة جداً وممكن حتى أن تحرك الكنائس الأمريكية غير العنصرية والتي ليس لديها مشكلة مع الإسلام.
* بالنسبة للعلاقة مع إيران كيف تقيم تقلبات العلاقة بين البلدين؟
العلاقة مع إيران كانت قائمة على شيء واحد وهو المصالح المشتركة. وهي علاقة صعبة لأنه ليس لديها تاريخ ولا بنيات أساسية تقوم عليها، لكن مع ذلك في الجانب السياسي حققت تقدماً كبيراً فالإيرانيون وقفوا معنا مواقف كثيرة على المستوى الدولي وفي الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وفي أي منبر دولي كانوا يقفوا معنا وساعدونا في مجال التعاون الفني وأعتقد هذا كله تعاون عادي جداً لم يكن مجيراً لمصلحة محور معين ونحن بلدنا مفتوحة للتعامل مع الآخرين بلا حدود.
* كيف بلا حدود، والناس بدأت تشتكي من سعي إيران لنشر مذهبها الشيعي؟
# موضوع نشر المذهب الشيعي لم تكن له صلة بالعلاقات بيننا، فإيران تنظر إلينا كبلد مسلم ونحن كذلك ولم نكن نحتاج لتشييع السودان، وأعتقد أن هذه النقطة بجانب تخوف بعض الجهات الإقليمية من علاقة البلدين هما اللتان أثرتا على علاقتنا بإيران ..
* بالعودة لموضوع المخابرات وجهاز الأمن لو تابعت الفريق “قوش” كان لديه حوار ذكر فيه أنه فخور جداً بأنه بنى مؤسسة حقيقية لجهاز الأمن بالصورة المثلى التي يفترض أن تبنى عليها المؤسسات الأمنية ما هو تقييمك لـ”قوش” كرجل مخابرات وإدارة؟
# طبعاً أي إنسان كمسئول لجهاز الأمن في بلد كالسودان ـ لعب فيه الجهاز أدواراً أكبر حتى من الأدوار التقليدية ـ ما في شك ستكون له نجاحاته وإخفاقاته، وتكون هذه الإخفاقات مؤثرة جداً .. ولكن تقييم هذه الإخفاقات والنجاحات لا يأتي من إنسان كان في نفس الموقع.
* قوش تحدث عن العلاقة مع الـ (سي آي إيه) بأنها كانت خط الدفاع الأول عن السودان داخل أمريكا، هل تتفق مع هذه المعلومة بوصفك مدير مخابرات سابق؟
# هذه نقطة غير صحيحة، الـ (سي آي إيه) أكثر الجهات التي كانت معادية للسودان، وتولت كبر تأزيم العلاقة بين البلدين، والجهة الوحيدة التي كانت تأخذ موقف موضوعي تجاه السودان هي الـ(إف بي آي)، فهو في السنوات الأخيرة كان لديه دور خارجي وفي الماضي كان دوره داخلي فقط ، لأن كثير من القضايا التي لديها صفة إجرامية أو أمنية أصبحت تحدث خارج أمريكا فدورهم اتسع خارج أمريكا وبالتالي اهتموا طبيعة الاتهامات التي كانت توجه للسودان في تلك الفترة، ولذلك نحن حاولنا أن نتعامل مع الـ (إف بي آي) حيث أن تقاريرهم تأخذ منحىً قانونياً وتكون موضوعية أكثر عكس الـ (سي آي إيه) فهو تنظيم سياسي ولذلك “سوزان رايس” ومجلس الأمن القومي الأمريكي والخارجية يتعاملون مع الـ (سي آي إيه) لأنها جهاز سياسي وتعامل وثيق وهم الذين حجموا الـ (إف بي آي) ومنعوه من التعامل مع السودان مع أنه كان راغباً في التعامل معنا.
* شيخ “يس عمر الإمام” رحمه الله في أيامه الأخيرة قال مقولة مشهورة أنه لا يستطيع أن يتحدث إلى أبنائه ولا في المسجد ليدعوا للحركة الإسلامية، بصراحة هل أصابك شيء من الخجل أو الندم على تجربتك في الحركة الإسلامية؟ وهل فعلاً الآن الإنسان يستحي من دعوة الناس للحركة؟
# لا يستحي ولكن لا يجد المبررات ليدعو للحركة الإسلامية، وكلام “يس” صحيح. فأنا أولادي لم استطع إدخالهم الحركة الإسلامية، وكثير من الشباب في أسرتنا ينتمون إلى أنصار السنة وبعضهم ذهبوا إلى داعش، لأن هنالك فراغ كبير الحركة الإسلامية لم تستطع ملأه، وأنت عندما تدعوهم للحركة لا يجدون مبرراً للدخول إليها .. لذلك أنا نفسي ليس لدي ما أقوله لأبنائي ليدخلوا إلى الحركة الإسلامية. فهم يجدون في أنصار السنة نشاط وحراك دعوي.
* إذاً هل يعني هذا أنه ليس هناك حركة إسلامية الآن؟
# هنالك تنظيم اسمه حركة إسلامية، تنظيم كبير جداً ومرتب، ولكن أين الحركة الإسلامية أنا ابحث عنها في الحياة، ويبحث عنها أولادي في الجامعات ولا يجدونها.
* هل هذا يعني وصولك درجة الخجل من الانتماء للحركة؟
# أنا لا أخجل لأن الحركة الإسلامية أنا نتاج لها ولديها تاريخ مشرف، وتجدها حتى خارج السودان في تونس ومصر وتركيا، لكن في السودان لم استطع إقناع أولادي بالانتماء لها.
* كل أولادك لا ينتمون للحركة الإسلامية؟
# لا لا، بعضهم ذهبوا إلى أنصار السنة وبعضهم مستقلين.
المجهر السياسي