مضت خمس سنوات منذ أن انفصل جنوب السودان عن السودان، والشيء الوحيد الذي اكتسبه جنوب السودان هو العنف والأزمة الداخلية والتي لا يبدو أن نهاية لها تلوح في الأفق، لقد وقف المجتمع الدولي بجانب جنوب السودان إلا أن الدولة الوليدة خذلت الجميع وجعلت عاليها سافلها.
إن العنف والحرب الدائرة في جنوب السودان، قد أدت الى مقتل وتشريد الملايين من المدنيين الأبرياء، بل إن الدولة الوليدة والتي أتت من رحم أكبر أمة أفريقية (السودان قبل الانفصال) تعتبر مثالاً حياً للدولة الفاشلة. وليس هذا كل شيء. ففي الآونة الأخيرة، قررت حكومة جنوب السودان طرد مسؤولي الامم المتحدة من أراضيها خوفاً من أن تصل أخبار حالات انتهاك حقوق الإنسان الي بقية أنحاء العالم. أما الدعوات لإعادة النظر في هذا القرار، فقد قوبلت بآذان صماء، الأمر الذي اضطر مجلس الامن التابع للأمم المتحدة كرد فعل لهذا القرار أن يفرض عقوبات بالإضافة الى حظر السفر. والقضية المطروحة الآن: يتساءل المرء لماذا فشل جنوب السودان في إنجاز مهمة إدارة دولة مستقلة؟. الإجابة بسيطة وهي أنه من المؤكد أن جنوب السودان لم يكن مهيأ ليكون دولة مستقلة، وكان من المفترض أن يكون السودان الموحد (غير المنقسم)، حيث أن الانفصال القسري قاد الى أن تصبح الأمور في درك سحيق. إن جنوب السودان لم يعد قادراً على العمل كوحدة متماسكة لأنه ببساطة يفتقر الى المكونات الأساسية المطلوبة لبناء الأمة. ومهما يكن من أمر، ورغم أن دولة جنوب السودان أصبحت حقيقة ماثلة، فلماذا لا تعيش الدولة الوليدة في سلام؟. حسناً.. نبدأ بالقول إن الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان ليسا منظمة للتحرير كما يبدو من اسمها، بل على النقيض هي عبارة عن مؤسسة إقليمة إرهابية تعمل بجد لتدمير السودان وتشكيل الحدود التي يمكن أن تحكمها بمساعدة الطغمة العسكرية. ومساعدة الغرب، نجحب الحركة الشعبية/الجيش الشعبي وبقية القصة معروفة. يضاف الى ذلك أن الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان تفتقد لأية رؤية في مسألة بناء الأمة وليس لديها ثمة خارطة طريق لمستقبل جنوب السودان، فكل ما يمكن أن تعرضه، هو الآلية التي تسحق المدنيين بمساعدة القوة العسكرية والمساعدات التي تتلقاها من حفنة من أمراء الحرب الرأسماليين في إطار مساعيهم لاستغلال الموارد الطبيعية لجنوب السودان. وهذا باختصار ما جعل جنوب السودان ينحدر نحو الأسوأ حيث أن أعداد المصابين في ازدياد مستمر.
المأزق!!
وبطبيعة الحال فإن هنالك محاولات قد جرت لتبني مصالحة ومساعدة جنوب السودان للبقاء على قيد الحياة باعتبار أنه لا يوجد خيار سوى ذلك، إلا أن الداعمين لخط الانفصال كانوا يعتقدون بأن جنوب السودان سيصبح مهداً للديمقراطية، إلا أن أحلامه قد ذهبت أدراج الرياح رغم بذل كل المحاولات بطريقة أو بأخرى للأبقاء على دولة تسمى جنوب السودان، إلا أن تلك الاتفاقيات لم تشفع حيث أن الاتفاقيات توقع ثم يتم نسيانها. فالرئيس كير وقائد التمرد مشار رفضا الإذعان وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وحتى نكون أكثر وضوحاً فإنه لا يمكن القاء اللوم على أي منهما، فالاثنين عبارة عن دمي ويرغب كلاً منهما في أن يصبح دمية على رأس الدولة؟ فمشار يتهم كير بأن لدية طموحات كبيرة لا يمكن ازدرادها، بينما يدعي كير بأن مشار يرغب في قلب نظام الحكم.
الخاتمة:
وتأسيساً على ذلك، نتساءل هل ثمة سبيل لجنوب السودان ليستمر كدولة؟ ولنكن أمناء مع أنفسنا، فإن أفضل السبل المتاحة، هي أن يتم تخلص جنوب السودان من تلك الدمي ويتجه نحو الاندماج مع السودان. فجنوب السودان أصبح لا شيء سوى تخبط وخطأ فادح ولا مجال لاستمرار هذه الأضحوكة أكثر من ذلك التي لا يجني منها سوى الأسوأ بالنسبة للسكان، وفي نهاية الأمر فأن أية حرب أهلية او اضطرابات اجتماعية فإن المدنيين هم من يعانون أكثر من غيرهم حالة جنوب السودان ليست استثناءً، وعليه فإن جهوداً يجب أن تُبذل للتسوية ودمج جنوب السودان في السودان. وفي حالة التعنت حول فكرة الاندماج مع السودان وعدم وجود قبول لها، فإن السبيل الأمثل التالي هو ابتدار عملية سلمية مع جعل السودان وسيطاً في تلك المبادرة. شئنا أم أبينا فإن السودان يعرف أكثر من أية جهة أخرى سواء أكان بريطانيا أم أمريكا أم روسيا أم الصين أم حتى دول الجوار الافريقي، ومن ثم فإن أية جهة ترغب في حل أزمة السودان يجب أن تستصحب السودان في عضويتها.
وهكذا فإن الوقت قد حان الآن للعمل. ففي الأربع سنوات الماضية لم يشهد جنوب السودان سوى العنف، لذا فإن أي تأخير قد يعزّز من فرص دمار هذه الدولة الفاشلة.
* مجلة فورين بوليسي
الانتاهة