“إذا أشعل اللا منتمون في هذا البلد شرارة تغيير، فسوف تضرم نارها الأغلبية الصامتة عن ذل الهتاف” .. الكاتبة!
الهدف من هذا المقال ليس انتقاد مسئول بعينه، أو استنكار رضا أو سخط الناس عليه .. بل هي دعوة رسمية للتأمل في ردود أفعالنا الشعبية التي تعقب مسالك أو مهالك الحكام، والنظر في مقدراتنا على تقييم منجزات أو عثرات ولاة الأمر ..!
هل توجد في تشكلية هذه الحكومة – أو سابقاتها – شخصية .. قيادية .. سياسية .. تنفيذية .. وطنية .. تستحق ألقاباً كرنفالية على غرار فولاذ أو (حديد) .. أو هتافات شعبية على غرار (مليون شهيد ولا والي جديد)؟! .. وإن كانت المنجزات فعلاً هائلة وتستحق، فبأي ذنب ما تزال بلادنا تتعثر وتتذيل القوائم ..؟!
تلك “المفارقة الديمقراطية” – إن جاز لكم هذا التعبير – والتي باتت تعقب الإعفاءات والتعيينات (الاحتجاجات الشعبية التي تحلف بحياة هذا الحاكم الولائي أو ذلك) حولت ولايات السودان إلى ممالك، وتوجت ولاتها حاكمين بأمرهم على عروش الأقاليم، وأعادت صياغة البعد “المركزي” لولاء الأطراف .. فهي إذاً حالة ملتبسة تستحق الوقوف ..!
أقرب تأصيل نفسي لهذا السلوك الشعبي المستميت – الذي بات شائعاً بصور وطرائق أخرى في عموم أنحاء السودان – يطلقون عليه مصطلح عقدة ستوكهولم (مجموعة أعراض تظهر عند بعض الذين يتم اختطافهم أو احتجازهم بعد زوال الخطر) .. إطلاق اسم العاصمة السويدية جاء بعد وقوع حادثة شهيرة في السبعينيات بأحد بنوكها، حين قامت مجموعة مسلّحة باحتجاز عدد هائل من الموظفين والزبائن طوال ستة أيام، نشأت خلالها علاقة تعاطف بين المعتدين والمحتجزين الذين ودع بعضهم خاطفيهم بحرارة بعد أن تم إنقاذهم ..!
الحكاية ليست مرضاً نفسياً بل حيلة دفاعية يلجأ إليها العقل البشري لحماية نفسه في حالات الشدّة والخطر، ولا علاقة لها بدرجة وعي الإنسان أو طريقة تفكيره أو حتى طبيعة انتمائه السياسي .. وهي تكثر وتتفاقم – عادة – بين الشعوب اليائسة من جدوى التغيير ..!
لذا أقول إن انشغال أي إقليم بالهتاف لهذا الوالي أو ذاك، مهما علا شأنه الإنساني ومهما عظمت منجزاته – بينما يهتف الناس في بقية العالم للمطالبة بالحقوق لا للشكر على الوفاء بالواجبات – ما هو إلا إسقاط محلي لعقدة ستوكهولم، وممارسة عفوية لمفهوم خاطئ وخطير مفاده أن (سلامة المحكوم من سلامة الحاكم) ..!
وهذا – لعمري – مما يثلج صدر أي حكومة (أن ينشغل الشعب بالتظاهر والاحتجاج على رحيل حاكم وتعيين آخر .. أو الهتاف بحياة هذا الوالي أو ذاك .. ناسياً أو متناسياً تحديد موقفه الوجودي من مشروعية بقائها هي، ككيان جامع لكل هؤلاء المصلحين للأرض من وجهة نظر هؤلاء، أو المفسدين فيها من وجهة نظر أولئك) ..!
لا شيء يفرح أي حكومة في هذا العالم أكثر من إلتهاء الناس بتحقيق المطالب الشعبية برحيل هذا الوالي، أو مباركة التأييد الجماهيري لتعيين ذاك! .. فالأمر كله محشور في إطار التفاصيل التي لا تطعن في مشروعية البقاء الأكبر ..!
هذه الحال برمتها لا تعني للحكومة أكثر من اعتراض ربة منزل على تغيير مكان قطعة أثاث في منزل زواج كاثوليكي .. لا خلاف بين الطرفين على كونه أبدياً ..!
هناك فرق – آخر لحظة