> في الجولة الأخيرة للسيد وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور، في عدد من الدول الإفريقية بوسط وشرق وجنوب إفريقيا خلال الأسبوع الفائت وقبلها جولته في غرب إفريقيا، يلحظ المراقب والمتابع أمرين مهمين للغاية، أولهما أن الدول التي زارها السيد غندور قبل أسابيع في الغرب الإفريقي ثم جولته الأخيرة في جنوب وشرق القارة تمت لدول أعضاء في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهذا يعني مباشرة أن موضوع الزيارتين يتعلق بالموقف الإفريقي من قضايا السودان سواء أكانت أزمة دارفور أو التفاوض حول المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق وملف المحكمة الجنائية الدولية، ولدى الاتحاد الافريقي مواقف واضحة في هذا الشأن منها الموقف القوي والمعلن من المحكمة الجنائية، والسعي لمعالجة قضيتي التفاوض حول المنطقتين ودارفور داخل البيت الإفريقي، وتنشط الآلية رفيعة المستوى الممسكة بمقود الوساطة في هذا الجانب.
> لكن هل ثمة مستجدات وتطورات مقلقة جعلت وزير الخارجية يقوم بهاتين الجولتين الطويلتين؟ وهل هناك شجر يسير وخلفها ما يدفعنا لنقول.. إن ما وراء الأكمة ما وراءها؟
> من الواضح أن نجاح الجولتين ومقابلة الوزير غندور للقادة والرؤساء في البلدان التي زارها ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة، خاصة أن جهات دولية تضغط بشدة هذه الأيام لتسخين ملف السودان داخل مجلس الأمن الدولي خاصة ما يتعلق بدارفور والمنطقتين، وتحاول هذه الجهات في محاولة يائسة اللعب بآخر أوراقها والدفع بكل أسلحتها لمحاصرة الحكومة وإجبارها على فتح ممرات الإغاثة بغير شروط في المنطقتين، مع التلويح بمنطقة حظر جوي والضغط في اتجاه تحقيق تسوية تضمن وجود قطاع الشمال في الحركة الشعبية وما تسمى الجبهة الثورية في التركيبة السياسية القادمة، مع الاحتفاظ لقطاع الشمال بقواته لفترة انتقالية على غرار ما جرى في اتفاقية نيفاشا.
> من المهم بالطبع أن تسرع وتسعى الدبلوماسية السودانية في احتواء هذه التطورات المتوقعة والتعاطي معها بجدية ويقظة وكسب الموقف الإفريقي الموحد قبل أي شيء آخر، لأن ما يقرره مجلس السلم والأمن الإفريقي هو الذي يقره مجلس الأمن الدولي في أغلب الأحيان، وتضع دول كبرى لها عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي اعتباراً خاصاً للموقف الإفريقي، فإن كان لصالح السودان ستكون له نتائجه الإيجابية وإن كان ضده ستكون له أيضاً نتائج وعواقب ليست محمودة على الإطلاق.
> فالقضية إذن تمر عبر عدة عواصم قبل أن تصل إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي في أديس ابابا وإلى مجلس الأمن الدولي في نيويورك، فأينما وضع السيد غندور أقدامه فهناك ورقة رابحة لا بد أن يضعها في جيبه ويضمن بها دعماً وسنداً لما يستجد في المرحلة المقبلة.
> والموضوع الأكثر أهمية ويقتضي بحثه وحسمه في جولات وزير الخارجية، هو ملف المحكمة الجنائية الدولية، فقد اتفقت الدول الإفريقية في القمة الأخيرة بجوهانسبيرج في جنوب إفريقيا على إرسال وفد يضم السودان وكينيا وبعض الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن الإفريقي ورئيسة المفوضية الإفريقية إلى نيويورك للطلب من مجلس الأمن الدولي سحب ملف المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بالسودان وكينيا وطي ملفه.. ولربما كانت هناك بعض العثرات والعراقيل تقف أمام تنفيذ قرار القمة الإفريقية، فمن الضروري الوصول الى موقف واضح وتحقيق خطوات عملية بشأنه خاصة مع وجود تسريبات هنا وهناك بأن رئيسة المفوضية بالاتحاد الإفريقي السيدة زوما أشارت الى أن مفوضيتها قد لا تستطيع توفير المال الكافي لهذه الزيارة المهمة التي سيقوم بها وزراء الخارجية وهم يمثلون الاتحاد الإفريقي الى نيويورك وملاقاة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي.. وربما تكون هذه الزيارة متزامنة مع اجتماعات الدورة «70» للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.. للمحكمة الجنائية الدولية خلال سبتمبر.
> فبالرغم من أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية لن تقدم تقريراً لمجلس الامن الدولي خلال سبتمبر القادم حول ملف السودان، إلا أن وضع الترتيبات والتدابير وتكثيف الاتصالات والتنسيق بين الدول الإفريقية يجب أن يتم بسرعة وبقوة حتى نحقق نتائج إيجابية تنهي بشكل قاطع هذه القضية.
> الخلاصة أن هناك أكثر من جهة إقليمية ودولية تجري لقطع الطريق أمام وزير الخارجية السيد غندور، وهو من جانبه يطلق ساقيه للريح في ماراثون دبلوماسي وسياسي من الدرجة الأولى.. نتمنى له التوفيق وكسب السباق.