“حسن مكي”: الأفضل للطلاب الانضمام لـ(داعش) من تجارة المخدرات
“غازي صلاح الدين”: تقييد الحرية السياسية في الجامعات جعل الطلاب صفحة بيضاء
الخرطوم – وليد النور
أقيمت ندوة التطرف والغلو وسط الشباب الواقع والتحديات أمس (السبت) في يوم خريفي ممطر بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ربما لأنها الجامعة التي سافر بعض طلابها إلى سوريا للحرب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كانت خطوات القادمين الذين نزلوا من سياراتهم الفارهة تقترب من القاعة المخصصة للندوة عند الساعة الحادية عشر صباحاً، في الجانب الآخر كان هناك اصطفاف لرجال الأمن الذين كانوا يدققون في بطاقات الداخلين بصورة تجعلك تشعر بأن شيئاً ما سيحدث، بعد بضع دقائق امتلأت القاعة وجلس المتحدثون كل في موقعه ودخل رئيس مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية “مأمون حميدة” بوجه طلق صافح معظم الجالسين وابتسامة عريضة تكسو وجهه.
“غازي” يمازح “حميدة”
د. “غازي صلاح الدين العتباني” مازح “حميدة” وقال إن الذي يقارن بيني و”مامون حميدة” يقول إنني أكبره سناً ولكن “مامون” أستاذي ودرسني في الجامعة.
من جانبهم حمل علماء ومفكرون الدول الغربية والأنظمة الحاكمة في بعض الدول الإسلامية مسؤولية تطور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وعزوا ذلك للكبت الذي يعيشه مواطنو تلك الدول، وأجمعوا على ضرورة تصويب الخطاب الإسلامي والحد من الفتاوى التي تطلق على الهواء مباشرة. وقالوا إن تنظيم (داعش) هو عابر للقارات.
انضمام الشابات لـ(داعش) طبيعي.
فيما سأل المفكر الإسلامي البروفيسور “حسن مكي” عن هل الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو جريمة بالمعنى القانوني؟ وقال لأن الدول الغربية لم تجرم المتطرفين في الغرب. وأيد “مكي” انضمام الشباب والشابات إلى تنظيم (داعش) وقال هل الأفضل لهم الانضمام إلى (داعش) أم إلى تجارة المخدرات؟ وتوقع أن يتم اتفاق في المستقبل القريب بين الغرب مع التيار المعتدل من (داعش) ويعقد صفقات، واعتبر مشاركة الشابات في تنظيم الدولة الإسلامية طبيعية نسبة للنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى المساواة بين المرأة والرجل، مشيراً إلى أن حال عودة الشباب السودانيين المشاركين الآن في (داعش) سيكونون نواة لقادة البلاد مستقبلاً. وزاد أن النقص الفكري والسياسي جعل الطلاب أسيرين لخطة الدولة الإسلامية ولم يتفكروا ويتدبروا في الإسلام. وكشف عن دخول الدولة الإسلامية للموصل العراقية دون قتال وفق اتفاق بين ضباط من حزب البعث وقادة (داعش) الذين ورثوا أموالاً تقدر ببلايين الدولارات، حيث فاقت مرتبات العاملين في الدولة الإسلامية الخمسة آلاف دولار شهرياً.
ومن ناحيته قال “غازي صلاح الدين” إن التطرف ليس قاصراً على الإسلام والمتطرف يدعي أنه مكتسب للحقيقة لذلك علينا أن نبدأ بإصلاح الذات قبل أن نرمي باللوم على الآخرين. وأشار إلى أن الغرب في سبيل ضمان مصالحه يدعم الأنظمة التي تبطش بشعوبها بجانب التفكك الأسري والأزمة الاقتصادية التي تعيشها الكرة الأرضية، إذ يتحكم النصف الشمالي منها على (86%) من الخيرات والثروات ويعيش النصف الجنوبي على الـ(14%) الباقية. ووفقاً لغازي أن تقييد الحرية السياسية في الجامعات جعل الطلاب صفحة بيضاء يكتب فيها من يشاء، مضيفاً أن الانتماء السياسي سيكون حصناً للطلاب من اللجوء إلى التنظيمات المتطرفة هذا بجانب البطش والكبت الذي تمارسه الأنظمة السياسية في الدول على شعوبها. وتابع أن الفتنة تطل عندما يستبد الحاكم برعيته. وقال إن العالم الإسلامي يعيش دون قيادة مطالباً بضرورة إعادة النظر في ميزان القوى الناعمة لاسيما في نظام الاقتصاد الدولي وتوزيعه بطريقة عادلة، بأن تعمل الدول الخمس في مجلس الأمن بعدالة، مطالباً بأن تكون الجيوش لحفظ السلام وليس للغزو. ودعا المسلمين إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي خلال الفترة الماضية واستصحاب المتغيرات الجديدة، مشيراً إلى ضرورة استبعاد الحلول الأمنية التي ستكون نتائجها مدمرة.
اختزال ظاهرة
رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدكتور “عصام أحمد البشير”، قال إن اختزال ظاهرة الغلو والتطرف في سبب واحد غير سليم. وتابع لأن تنظيم (داعش) عابر للقارات وله تشكيلات مختلفة والذين انضموا إليه يجهلون قواعد الإسلام، لأن الجهاد في الإسلام أكبر من القتال. ودعا الجماعات الإسلامية إلى ضرورة الاتفاق على تصحيح المفاهيم وترك الخلافات حول الفروع، واتهم الإعلام الغربي بعدم الحياد في تناول التطرف الديني. وقال عندما تحصل الحوادث من المتشددين في الغرب لا ينسبونها لهم ولكن عندما يقع حادث من بعض المسلمين ينسب إلى الإسلام. وقال إن الغرب يقف مع إسرائيل ضد الفلسطينيين رغم كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل. وطالب “البشير” بضرورة الاتفاق على مسؤولية تبدأ من الأسرة والوالدين وتوحيد الخطاب الديني، والابتعاد عن الاستقطاب الحاد بين التيارات الإسلامية والحكومة والمعارضة~، بجانب تغيير مناهج التعليم ومقارعة الفكر بالفكر.
فك شفرة
بروفيسور “مأمون حميدة” قال إن جامعته اختطت منهجاً باللغة الانجليزية لاستيعاب أبناء السودانيين البعيدين عن وطنهم، بجانب أسلوب علمي أكاديمي صارم مع منح حرية التعبير. وقال إن ظاهرة الغلو التي شغلت الناس لاسيما بعد ذهاب دفعتين من الطلاب إلى (داعش) تحتاج إلى فك شفرتها. وأكد أن جامعته قامت بمسؤوليتها الأخلاقية اتجاه الطلاب عبر عميد شؤون الطلاب الذي أخطر بعض الأسر بتغيير سلوك أبنائهم. وقال إن الظاهرة لم تعد حكراً على جامعته بل تعدت إلى العديد من الشباب من خارجها انضموا إلى تنظيم (داعش). وزاد أن تنظيم (داعش) له قوة مغنطيسية اجتذبت معظم الطلاب الوافدين من المملكة المتحدة إلى السودان، وليس بالعاطفة الدينية فقط. وأضاف أن ظاهرة التطرف عالمية وليست سودانية فقط. فيما طالب رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني دكتور “شوقار بشار” بضرورة تصحيح المفاهيم. وشدد على ضرورة إرسال رسالة إلى أئمة المساجد ووضع ضوابط خاصة للذين يطلقون الفتاوى على الهواء مباشرة.
صدام وحزن
ممثلة السفارة البريطانية بالخرطوم “كيت رعد” قالت إن من دواعي سروري أن أقول بضع كلمات في موضوع مكافحة التطرف. وأضافت نحن مثلكم صدمنا وحزنا عندما علمنا بسفر مجموعتين من طلاب هذه الجامعة في شهري مارس ويونيو المنصرمين، سراً وانضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مدفوعين من المذاهب المتطرفة ومعرضين أنفسهم لخطر داهم ومسببين الحزن والأسى لأسرهم. وأضافت نحن فخورون بعمق الروابط التي تجمع بين المملكة المتحدة والسودان. وأشارت إلى وجود أعداد كبيرة من السودانيين عاشوا وعملوا في بريطانيا، وأن أعداداً كبيرة أيضاً من البريطانيين من أصول سودانية يختارون الدراسة في السودان. وامتدحت جامعة العلوم الطبية الرائدة في هذا المجال ولكنها استدركت أن في عالمنا اليوم تشكل الأيديولوجيات المتطرفة، والذين يدعون لها خطراً جسيماً لهؤلاء الشباب، وأن هذه مشكلة مشتركة يجب على السودان وبريطانيا مواجهتها. وكشفت عن مناقشات تمت مع إدارة الجامعة على الشيء الذي يمكن أن تقدمه في سبيل مواجهة المخاطر، ولكن قبل ذلك هنالك كثير من المذاهب المتطرفة تنشر فيديوهات منشطة خاصة للشباب تشيد بدولة (داعش). وأضافت ليس بالضروري أن تكون مؤمناً بالعنف الوحشي لتشدك الأيديولوجية فإن البداية تكون مع عملية الاستقطاب، معتنقو هذا الفكر تغلبوا على الأصوات الأخرى داخل الإسلام. وزادت إن موضوع الهوية هنالك أسر ولدوا ونشأوا في أسر تنبع من مكان آخر لا يشعرون بعدم الانتماء الحقيقي لبريطانيا، يمكن لتلك الجماعات المتطرفة أن تستقطبهم. وشدد على أن الدولة تتحمل المسؤولية الأساسية في مكافحة التطرف. من جانبه قال مساعد رئيس الجمهورية العميد الركن “عبد الرحمن الصادق المهدي”، إن معظم الطلاب المنضمين لداعش هم سودانيون من أصول أجنبية وطالب بضرورة حوارهم، واتهم جهات لم يسمها بأنها لها مصالح من وجود (داعش) على الرغم من أن الإسلام انتشر في السودان عبر التسامح. وقال إن الإرهاب ليس مرتبطاً بالإسلام، مشيراً إلى أن عدم العدالة في توزيع الاقتصاد العالمي الظالم ولد فكر الإرعاب وليس الإرهاب، تسبب في تفكك الأسر. وأجمع العلماء على ضرورة انتهاج مبدأ سلمي لمعالجة ظاهرة الغلو والتطرف بعيداً عن الحلول الأمنية.
المجهر السياسي