من واجبي أن أعتذر للقراء الكرام عن هذا الغياب.. ولكن العزاء أن غيابي لن يؤثر في استمرار تسلسل موضوع الساعة الذي فتحنا ملفه هنا منذ الأسبوع الماضي وهو تقييم تجربة التمويل الأصغر.. أقول لن يؤثر لأنني لمست ذلك من خلال التواصل مع مجموعة مقدرة من قرائي الكرام.. وعبر مختلف الوسائط.. سيما أنني كنت قد وعدتكم بالتطرق لكيفية تحول موظفي المصارف من شاكين إلى متهمين.. وأنا ما زلت عند وعدي.. فالمعلومات والوقائع موجودة وسأعرضها.. ولكني قررت اليوم التوقف عند رسالة مهمة تنقل تجربة حية وواقعية.. ورأيت أنه ليس هناك أي مبرر لحجب أي معلومة عن القارئ.. فنحن نبحث عن حلول لمشكلة تبدو عصية.. وحتى نبلغ التشخيص الصحيح لتوصيف الدواء الصحيح.. فلا بد من عرض كل الأعراض ومواطن (الوجع) في الهواء الطلق..!
يقول الدكتور أحمد أبوبكر في رسالته لي.. والتي تحكي تجربته الشخصية عبر بنكين:
شكرا لك على تطرقك لموضوع التمويل الأصغر الأكذوبة الكبرى التي أرادت الحكومة أن تلهي بها الناس (يعني بهرجة سياسية). حتى الآن نرى دخانا فقط وليس نارا وهل يا ترى قد نجح هذا التمويل الأصغر في إخراج أي أسرة من الفقر؟ لا أود في هذا الحيز الضيق من عمودكم المقروء أن اتطرق للسلبيات الكثيرة التي تكتنف تطبيق هذا التمويل، بل أردت أن أعزز ما ذكرته أنت بتجربتين مررت بهما. الأولى مع بنك الخرطوم ولأنني معاشي فقد كنت متأكدا بنسبة 100% بأن البنك سيستجيب لطلبي لاسيما أن البرنامج يستهدف الشرائح الضعيفة ومن بينها المعاشيون. لقد تقدمت بطلبي لتمويل زراعة علف في مساحة خمسة أفدنة وتقدمت لهم بدراسة جدوى اقتصادية أعددتها بنفسي لأني خبير بذلك والدراسة كانت مجدية للحد البعيد. كما تقدمت لهم بضمانات مالية تتمثل في شهادة شهامة بقيمة أكبر من المبلغ المطلوب.. ولكن بعد كل هذا رفض طلبي!! ولك أن تتصور يا أستاذ لطيف سبب الرفض؟ الحجة كانت أن عمري كبير!! طبعا عمري كبير لأنني بالمعاش لكن لهم ضمانة مالية معتمدة من الدولة حتى لو فرض أني مت ففلوسهم مضمونة بالشهادة. هذا نموذج للعقليات التي تدير عمليات التمويل الأصغر. التجربة الثانية مع بنك الأسرة الذي أنشئ خصيصا لعمليات التمويل الأصغر، والحق يقال إن السيد مدير الفرع الذي تقدمت إليه بطلبي قد وافق مشكورا على التمويل ولكنه اشترط ان يتم السداد في 18 شهرا وبدون فترة سماح (كيف يستقيم هذا والموضوع يتعلق بالزراعة؟) وثالثة الأثافي أن يكون التمويل بهامش ربح للفترة نسبته 26.32% . طبعا رفضت التمويل واعتبرته ربا (عديل). إذا كانت هذه هي الممارسات والتوجه فكيف بالله سنحارب الفقر؟ لك شكري..!
د. أحمد أبوبكر
هذه رسالة مواطن سعى للاستفادة من التمويل الأصغر، ولأنه كان جادا ولديه مشروع جاد يحتاج إلى شروط تمويل جادة.. لم يجد مطلبه عند المصارف.. ولو أنه كان قد حمل أي دراسة من أي حتة.. والأهم من ذلك قبل بشروط البنوك لكان قد نال حظه من التمويل وذهب لحاله.. وما على البنوك إلا أن تحيل ملفه إلى النيابة لتتولي النيابة مهمة البحث والتحصيل..! ولكن المفاجأة أن النيابة هذه المرة تكشر أنيابها في وجه البنوك لا في وجوه العملاء المتعثرين.. وهذه قصتنا للغد فانتظرونا..!