“أحيانا قد يتوسل كاتب العمود بذاته لإيصال الفكرة، ليس من باب الغرور أو التبرع بالمعلومة، ولكن من باب الإخلاص – حد الاحتراق – في إيصال الفكرة” .. الكاتبة!
وقفت يوم أمس أمام شباك الشئون العلمية بجامعة الخرطوم الحبيبة – التي أدين لمناخها النبيل بجُلِّ معارفي الأكاديمية ومعظم أفكاري الوجودية، بعد تخرجي فيها من كلية القانون – أحمل توكيلاً رسمياً موثقاً من شقيقتي الصغرى لاستخراج شهادة بكالريوس تخصها من كلية الصحة العامة وصحة البيئة، بذات الجامعة ..!
تأملتُ بإعجاب جودة تطبيق نظام الحوسبة، وسلاسة العمل، ودقة الإجراء، ثم أخبرتني الموظفة المختصة – بنبرة مهذبة وابتسامة مُطَمئِنة – أن الاسم المكتوب في الوثيقة الشخصية وطلب استخراج الشهادة غير مطابق للاسم المسجل في أرشيف المعلومات. فأجبتها بأن شقيقتي قد حلَّت المشكلة – قبل سنوات – بعمل إشهاد شرعي تم بموجبه مطابقة الاسم في ملفات الكلية، وكما توقعت طمأنتني بأن الحل بسيط (استثمار بقية ساعات النهار في إحضار إفادة من إدارة الكلية، والحضور غداً في نفس الوقت لاستكمال الإجراء المطلوب) ..!
نقلة نوعية هائلة شهدتها يوم أمس بعد انتقالي من مكاتب الشئون العلمية بالجامعة إلى مكاتب إدارة الكلية .. شعرت بخيبة بالغة وأنا أتأمل نيران السخط التي كانت تنبعث من عيني موظفة – اتضح فيما بعد أنها سكرتيرة – كنت قد وجدتها في المكتب وسألتها عن المسجل فانتحلت شخصيته على الفور، ودون أن يطرف لها جفن، قبل أن تنتهرني قائلة إنها مشغولة، وأن علي أن أنتظر – إلى أجل غير مسمى – لحين فراغها من بعض العمل في مكتب آخر ..!
ثلاث ساعات كاملة قضيتها في المكتب، تلقيت خلالها مكالمات هاتفية، وتصفحت أخبار الصحف على هاتفي النقال، وشرعت خلالها في كتابة مقال اليوم الذي تغير إلى موضوع هذا المقال بعد عملية الإذلال والمهانة والبلطجة السافرة التي تعرضت لها هناك ..!
بعد ساعات من الانتظار جاءت الموظفة لتصيح في وجهي بأنها لن تتمكن من مراجعة الاسم لأنها ما تزال مشغولة، وقد أدهشني أنها لم تكلف نفسها – حتى تلك اللحظة – عناء فهم طبيعة الإجراء، وعندما عاتبتها على ساعات الانتظار قالت إن مزاجها اليوم أن لا تعمل، وإن كان الحال لا يعجبني فعلي أن أشكوها لسيادة العميد ..!
حتى هنا والأمر شبه عادي، فلا غرابة تُذكر في تَنَمُّر بعض الموظفين وإستغلال سلطاتهم في قهر وتعذيب المراجعين، لكن المذهل حقاً كان حضور السيد نائب العميد، واستماعه إلينا في لا مبالاة واختفائه تماماً بعد ذلك، وحضور موظف عدائي آخر، قال إنه هو مسجل الكلية وليس هي ..!
طيب .. آمنا بالله! .. ماذا عن الإجراء يا مسجل الكلية بعد غيابك طوال هذه المدة عن مكتبك خلال ساعات العمل؟! .. الإجابة كانت أن أستعوض الله في ساعات انتظاري وأن أحضر بعد يومين – وليس غداً – فقط لأن مزاجه هو الآخر كان يُحتِّم ذلك ..!
خرجت من مكتبه وظننت أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، لكن الرجل طاردني إلى الساحة وهو يردح ويلوح بيديه – مستعرضاً عضلاته أمام بعض زملائه فيما يبدو – قائلاً “لو ما عاجبك أعلى ما في خيلك أركبيه .. وأمشي عليك الله أكتبي عننا في الجرايد تاني” ..!
هكذا إذاً؟! .. الآن فهمت! .. أنتم إذاً غاضبون من شيء كتبته .. يا سبحان الله! .. آلمتني سياط لسانه التي كانت تلهب ظهري فالتفت نحوه لتصطدم عيناي بزميل له – لم يكن طرفاً في أي حديث – كان يلوح أمام وجهي بيديه مهدداً، وهو يقول إنه سوف يصفعني على وجهي إن لم أغادر على الفور ..!
كل هذا العذاب والتنكيل والهوان من أجل عبارة موضوعية – واحدة – كتبتها قبل يومين في مقال (نفايات الخرطوم)، عن مفارقة تكدس أكياس القمامة التي شاهدتها أمام مدخل كلية الصحة عندما زرتها لاستخراج شهادة تفاصيل لذات الغرض ..؟!
حسناً! .. جيِّد أن أكياس القمامة قد اختفت من أمام مدخل الكلية .. والعاقبة عند “قمامة الخدمة المدنية” إن شاء الله ..!
هناك فرق – آخر لحظة