في الأنباء أن المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم قد أطلق مبادرة لتطوير أحياء الخرطوم.. ولم يتردد الحزب في تسمية المبادرة بالبرنامج الحزبي لتطوير أحياء الخرطوم.. كما سماها نائب رئيس الحزب الأستاذ محمد حاتم بالانتفاضة الحزبية الكاملة.. ولن نسأل هنا: أين كان الحزب طوال ربع قرن مضى على الأحياء.. لم تكن فيه شيئا مذكورا.. ذلك أن ثمة قيادة جديدة للحزب في ولاية الخرطوم.. ربما تكون هذه هي أولوياتها وخططها.. كما قال السيد رئيس الحزب الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين إن.. فكرة الحي النموذجي ستصبح همهم في الولاية حتى تحقيقها..!
ولكن الذي سنختلف عليه مع الحزب ونسأله فيه هو.. حكمة طرح مبادرة حزبية لتطوير الأحياء في وقت يملك فيه هذا الحزب حكومة الولاية بمحلياتها.. أي أن الجهاز التنفيذي للولاية بالكامل هو تحت إدارة هذا الحزب.. صحيح أن ثمة شراكات هنا وهناك.. ولكنها لن تغير من حقيقة السيطرة المطلقة للمؤتمر الوطني في حكومة الولاية.. وحكومة الولاية هي التي تقع على عاتقها تنمية الولاية وأحيائها وتوفير الخدمات لمواطنيها.. وقد يسأل سائل عن دور الحزب.. فالإجابة سهلة وميسورة.. فالأحزاب في المسائل ذات الصلة بالحكم وتقديم الخدمات تنتهي مهمتها الأساسية بانتهاء الانتخابات وقد جرت وانتهت بالفعل.. دون الخوض في تفاصيلها.. ثم تتحول الأحزاب إلى أجهزة للحكم إما عبر التكليفات الوظيفية المباشرة.. أو عبر اللجان المساعدة.. التي تقدم الدعم للإدارات المحلية للقيام بدورها في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي كان في الأصل برنامجا حزبيا.. في مرحلة متقدمة.. ثم تحول إلى برنامج حكومي.. لا لأي سبب إلا تمكين كل الشعب بمختلف أحزابه وطوائفه من تبنيه ودعمه والمشاركة فيه.. فليس كل مواطن ملزما بدعم أي برنامج حزبي.. أيا كان هذا الحزب.. ولكن كل مواطن من واجبه أخلاقيا دعم البرنامج الحكومي الذي يوفر له الخدمات.. والأحزاب تتحول أيضا لأجهزة رقابية تراقب أداء حكومتها وتحاسبها إن دعا الحال.. قبل أن يحاسبها الآخرون..!
وإن شئنا الدقة.. وبعض الصراحة لقلنا إن الناس يمكن أن يثقوا في الحكومة وأجهزتها.. أكثر من ثقتهم في الأحزاب وبرامجها.. سيما إذا كانت التجارب محبطة.. والنتائج مخيبة للآمال.. وقبل كل هذا وذاك.. إن كان المؤتمر الوطني سيتولى بنفسه رصف الإنترلوك وإضاءة الشوارع وحفر المصارف.. فماذا ستفعل الحكومة إذن..؟ إن المواطنين إذا رأوا حكومة الولاية تطرح مبادرة لترقية الأحياء يدعمهم ويساندهم أعضاء المؤتمر الوطني.. فلا شك أنهم سيسارعون بالمشاركة في دعم هذه المبادرة.. بمنطق أن الحكومة للجميع والحزب لأعضائه.. أما إذا شاهد مواطنو ولاية الخرطوم أعضاء المؤتمر الوطني يقودون آليات حكومة ولاية الخرطوم.. وقد علقوا عليها شعارات مثل.. مبادرة المؤتمر الوطني لتنظيم أحياء ولاية الخرطوم.. فلا شك أن تعليقاتهم لن تعدو أن تكون أن هذه متاجرة سياسية ليس إلا..!
الحكمة تقتضي أن يضع المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم هذه المبادرة على طاولة والي الخرطوم.. لا رئيس المؤتمر الوطني.. مع توصية مغلظة أن تدرج هذه المبادرة ضمن خطة الحكومة الجديدة لتطوير الولاية.. والوالي الذي عرف بإصدار التكليفات المحددة واضحة المعالم.. ثم شدة المحاسبة على التقصير في تنفيذها خير له أن توكل هذه المبادرة لأجهزة رسمية مرئية تكافأ وتحاسب.. من أن توكل لأجهزة حزبية.. هلامية غير مرئية.. إذن مبادرة المؤتمر الوطني هذه قابلة لأن تكون خطة حكومية ممتازة.. أو مبادرة حزبية فاشلة.