عندما نستمع للقصة، فإننا نكون في أقصى حالات التركيز، والتفاعل مع أحداثها، وكلنا شوق لمعرفة نهايتها.. لهذا، فإن أثر القصة في النفس والذاكرة أقوى من أثر المعلومة المجرَّدة، ومَن يتأمل القرآن الكريم، يجد أن ثلثه قصص، لأن القصة مادة تربوية مهمة، تؤثر في سلوك الإنسان ومعتقده، وخاصة إذا كان فيها عنصر إثارة، أو موقف فكاهي، أو أنها تخاطب خيال المستمع وعقله اللاواعي.. ولو طلبت من القارئ الآن أن يذكر لنا قصة تأثر بها وهو صغير، وما زال يتذكر تفاصيلها، لذكر لنا قصصا كثيرة.. لهذا، قال علماؤنا “الحكايات جند من جنود الرحمن، يثبت بها مَن يشاء”، لأن في القصص من العِبر والحكم ما يتسلل لعقل السامع ونفسه، فيتأثر بها، ويشرب أفكارها، من حيث لا يدري، كما يحدث في الأفلام والمسلسلات، من غرس للقيم لدى المشاهد.. فتتحوَّل هذه القيم لعقله، ويترجمها سلوكه.. ولو حللنا أي فيلم أو مسلسل، لوجدنا أن أساسه قصة كُتبت، ثم تحوَّلت إلى مادة إعلامية.
لهذا أحببت في هذا المقال، أن أقترح على الوالدين مجموعة من القصص، نستثمرها في توصيل قيم وأخلاق مهمة لأطفالنا، وهي 15 قصة اخترتها، بعناية ودراسة، بعد تجربتها على أبنائنا، ورؤية نتائجها الإيجابية، علما بأن هذه القصص من القرآن والسُنة، وهما أهم مرجعين تربويين لتزكية النفس وتربيتها..
فالطفل في مراحله الأولى من ولادته وحتى عمر 9 سنوات، يحب الحيوانات كثيرا، سواء بالنظر إليها، أو باللعب والحديث معها، أو بالاستماع لقصصها، فيسبح خياله الواسع مع تفاصيل القصة التي يسمعها، ويعيش أحداثها، وكأنه أحد أبطالها، وهناك ثلاث قصص تربوية مهمة لهذه المرحلة العمرية، هي: “قصة يونس والحوت” و”قصة موسى والحية” و”قصة سليمان والهدهد”، فيها قيم مهمة يكتسبها الطفل مع الاستمتاع أثناء رواية القصة له.. ففي قصة يونس، عليه السلام، التركيز على قيمة فعل الخير، وأن الله هو المخلّص للإنسان من كل مشكلة، وقصة موسى، عليه السلام، فيها أن الصادق يغلب الكاذب، حتى لو كانت مع الكاذب قوة وسلطة، وقصة سليمان، عليه السلام، تركز على إنقاذ الناس الذين لا يعبدون الله، ودعوتهم لعبادة الله وحده، وهو أساس الإيمان، والهدف من خلق الإنسان.
أما لو كان الطفل أكبر من 9 سنوات، ففي هذه المرحلة العمرية يزداد فيها نضجه العقلي، ويكون الطفل محباً للحوار والجدل، كما يكون مقبلاً على مرحلة البلوغ، ونقترح في هذه المرحلة العمرية، أن نركز على قصص تعلمه أدب الحوار، وتساعده على عفة نفسه وضبط شهوته، والقصص التي تناسب هذه المرحلة العمرية ثلاث، هي: “قصة إبراهيم مع أبيه” و”قصة يوسف وامرأة العزيز” و”قصة ذي القرنين”.. فقصة إبراهيم، عليه السلام، تركز على قيمة الأدب والاحترام بالحوار مع الكبار أو مع الوالدين، وقصة يوسف، عليه السلام، تركز على أن الناجي والفائز في الحياة، هو الصابر على الفتن، كما أن العفيف، الذي لا ينزلق وراء الشهوات، يحبه الله ويرفع مقامه. أما قصة ذي القرنين، ففيها تقدير لقيمة العمل والإنتاج، والابتعاد عن الكسل، وتشجيع للعمل الجماعي، من خلال مشروع بناء السد.
فهذه 6 قصص من القرآن الكريم، نقترحها على الوالدين، على أن يتم تكرار القصة أكثر من مرة.. فالطفل يحب التكرار، ولا يمله، لهذا نلاحظه يشاهد الفيلم الكارتوني أكثر من مرة، لأنه في كل مرة يركز على جزئية مختلفة.
أما القصص التي من السُنة النبوية، والتي نقترحها على الوالدين.. فللأطفال الصغار إلى سن 9 سنوات، نقترح لهم ثلاث قصص مهمة، هي: “قصة خشبة المقترض” و”قصة الثلاثة الذين أغلقت عليهم الصخرة بالغار” و”قصة الأعمى والأبرص والأقرع”. ففي القصة الأولى قيمة حُسن التوكل على الله، وردّ الأمانة والصدق في التعامل مع الناس، وفي الثانية التركيز على قيمة الإخلاص في العمل، وأن الله ينجي مَن يلجأ إليه وبركة برّ الوالدين.. أما الثالثة، ففيها قيمة أن الله يزيد الشاكر لنعمه، ويحرم الجاحد.
أما الأطفال الأكبر من 9 سنوات، فنقترح لهم ثلاث قصص من السُنة النبوية، وهي: الأولى “قصة أبوهريرة والشيطان”، والثانية “قصة جرة الذهب”، والثالثة “قصة قاتل 99”.. وفي هذه القصص قيم تتناسب مع أعمارهم.. ففي قصة أبوهريرة، رضي الله عنه، قيمة أن الله يحفظ المؤمن من الشيطان وحبائله، والثانية فيها قيمة الصدق والأمانة والورع، والثالثة فيها أن باب التوبة مفتوح، وأن رحمة الله واسعة.
فهذه 12 قصة تعد منهجا تربويا قيما، وهي مجرَّبة عندنا بمكتبة عالمي الممتع للأطفال، وقد رأينا أثرها العظيم عليهم، وكيف أنهم تأثروا بالقيم التي فيها، وبقي لنا أن نقترح قصتين لمرحلة البلوغ، لتكتمل الباقة، وتصبح 15 قصة تربوية، وهما قصة “حادثة الإفك” و”الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك”، وقد ذكرت بتفاصيلها في القرآن والسُنة والسيرة، وهي من القصص المهمة، وفيها قيم عظيمة، منها احترام الصحابة، رضي الله عنهم، وحُسن الظن بالآخرين، وأن الصدق منجاة في الحياة والآخرة.. فالتربية بالقصة من أهم الأساليب التربوية، وقد قال أبوحنيفة، رحمه الله، “الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليَّ من كثير من الفقه، لأنها آداب القوم”.. فلنبدأ بالتربية بالقصة من الآن، وفي حال عدم معرفتكم بالقصص، يمكنكم البحث في “غوغل”، وقراءتها على أبنائكم.