الهروب إلى الأمام (2) بعد أن تجاهلت التربية والتعليم الملاحظات: هل سيدرس طلاب الصف الأول في كتابين؟ أخطاء المركز القومي والوزارة لا تنتهي عند كتاب الصف الأول

في وقت سابق، نشرنا وبالخط الأحمر والبونط العريض، أن كتاب اللغة العربية، للصف الأول اشتمل على أكثر من تسعين خطأ، في اليوم التالي، كنا نتوقع أن ترسل وزارة التربية والتعليم – بوصفها جهة تقع عليها مسؤولية المناهج – تعليقا على الخبر، ولم نكن نتوقع ردا من المركز القومي للمناهج والبحوث الذي يجلس على عرشه الطيب حياتي، لجهة أن تعليق حياتي كان موجودا في متن الخبر المنشور، غير أن ما حدث كان أمرا في غاية الغرابة، إذ طفق حياتي يجول بين الصحف، يجري حوارا هنا وهناك، يكرر فيه فكرة واحدة وتبريرا واحدا، وهما أن الكتاب به ملاحظات وليس أخطاء، وأن هذه الملاحظات لا تقدح في الكتاب، ويومها استعرنا منه حكمته المتوارثة التي قال فيها: “المنهج زي شوال الدقيق مهما كان سيخرج منه دقيق”، المهم استطعنا أن نصل للمعلم الذي اكتشف الأخطاء وقام بتصحيحها واسمه (عباس محمد عباس)، والمدهش أنه حكى تفاصيل ما جرى، وعرض كل الأخطاء والملاحظات التي اعتورت الكتاب، قمنا بنشر كل هذه التفاصيل، وكل الجهات المنوط بها أن تتحرك صامتة، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم، ولكن يملي الواجب الصحفي أن نتحرى لماذا كل هذا الصمت والتجاهل في قضية يظنها الناس حيوية؟ العبارة التي ظل يرددها حياتي كما أسلفنا، أن الأخطاء التي ظهرت في كتاب الصف الأول ملاحظات، وأنها لا تقدح في الكتاب، غير أن خبراء التربية والمعلمين القدامى، كان لهم رأي آخر، يخالف رأي البروفيسور جملة وتفصيلا، وأكدوا أن ما جاء في كتاب الصف الأول أخطاء كبيرة، تخل بالوسائل التعليمية لكتاب ذي خصوصية عالية وهو كتاب الصف الأول، وأشاروا إلى أن ما يعده حياتي ملاحظات هي أخطاء من صميم المنهج، وهذا ينطبق على الصور ورسم الحروف في حالتها المختلفة، وسبق أن عرضناها في الحلقة الأولى من هذا التحقيق، وقال المعلم محمد حسن: “في كتاب الصف الأول نعتمد على الصور والألوان وأشكال الحروف” وأشار إلى أن أي خلل، يؤثر في العملية التعليمية، غير أن الرد المفحم كان من الأستاذ عبد المنعم وهو معلم بمدرسة خاصة وقال: “إن لم تكن هنالك أخطاء فما الذي دفع وزارة التربية إلى طباعة نسخة منقحة من نفس الكتاب؟” ولكن هل يعلم أستاذ عبد المنعم أن الكتاب المنقح أيضا لم يسلم من الخطأ؟. تصحيح التصحيح قد لا يصدق أحد أن تخطئ وزارة التربية التعليم مرتين، ولكن الكتاب موجود لمن أن أراد أن يتيقن، سنكتفي هنا بإيراد خطأ واحد تعاقب عليه الدولة المواطن البسيط إن وقع فيه، ولو سهوا، ولكنها تتجاهله حال يصدر من وزارة مهمتها تعليم الناس، والخطأ الذي نحن بصدده موجود في مقدمة الكتاب، ويتعلق بخريطة السودان، التي ستجدها في غلاف الكتاب برسمها القديم، رغم أن الوزارة تعلم التلاميذ الخريطة الجديدة، ومسألة الخريطة هذه بالغة التعقيد، للذين يعلمون القانون الدولي والترسيم والمحاكم الدولية، غير أن الأمر المؤسف أن الخطأ تكرر في الطبعة المعيبة والجديدة المنقحة، وكأن لا أحد يقف على أمر هذه المناهج التي تكلف خزانة الدولة ملايين الجنيهات. حيرة في المدارس كشفت جولة قامت بها الصحيفة، عن حيرة المدارس في التعامل مع مشكلة كتاب الصف الأول، قال معلم بمدرسة خاصة فضل حجب اسمه: “المسألة تتضح كل يوم، وكلما تعمقنا في تدريس الكتاب، وعليك أن ترسم الحرف في السبورة بصورة تختلف عما هي عليه في الكتاب” وانتقد عدد من المعلمين تصرف المركز القومي للمناهج الذي دفع بالكتاب للمطبعة قبل أن تتم مراجعته. غير أن مشكلة أخرى أشار إليها معلم في مدارس المجلس الأفريقي وهي وجود كتابين مختلفين لمادة واحدة في فصل واحد، طلبنا منه أن يشرح أكثر فقال: “منذ زمن والوزارة حررت الكتاب، وكان لهذا التحرير محاسن ومساوئ، ولكن ما حدث في كتاب الصف الأول، بين أن هذه السياسة كارثية، إذ الكتاب الغلاف الأخضر تم توزيعه على الطلاب من المدرسة، بينما اشترى عدد من أولياء الأمور الكتاب المنقح لتلاميذهم من السوق، لذا تجد أكثر من كتاب في الفصل الواحد”، بعض المدارس الخاصة لم تركن لحكاية تكلفة الكتاب، وشرعت في كتاب النسخة المعدلة، وقطعا إن كان الكتاب يختلف في الفصل الواحد فمن المؤكد أنه يختلف من مدرسة لأخرى، ومن المؤكد أيضا أن تلاميذ المدارس الحكومية في ولايات السودان المختلفة، سيتعلمون من الكتاب الذي يشتمل على أخطاء أو ملاحظات كما يردد حياتي. سياسة المركز والوزارة في هذه الحلقة من التحقيق، التي قصدنا منها تذكير الجهات المسؤولة بالقضية المهمة، المتعلقة بأخطاء المنهج، ثم متابعة كشف مزيد من الأخطاء المماثلة في المنهج وملحقاته، والتي يمكن أن نطلق عليها بسهولة (الفضيحة الكبرى) سنهتم بطريقة التعاطي التي اتخذها المركز القومي للمناهج ووزارة التربية والتعليم في التعامل مع المشكلة، واستراتيجيته في علاجها.. في ما يتعلق بالمركز كان خط الدفاع الأول أنها ملاحظات لا تقدح في الكتاب، ولما كان للخبراء والمعلمين في بخت الرضا حيث يتم وضع المناهج رأي آخر مخالف لرأي رئيسهم حياتي، لجأ إلى منعهم من التصريح للصحف، مشيرا إلى تفعيله قانون الخدمة المدنية، وأنهم في المركز القومي سيعاقبون كل من يفشي سرا عن المناهج، وظل السؤال الجوهري معلقا: هل سيدرس طلاب الصف الأول في كتابين أحدهما منقح والآخر غير منقح؟ وهل سيسحب الكتاب ذو الغلاف الأخضر من المدارس ويبدل بالكتاب ذي الغلاف الأصفر؟ المركز لا يهتم بالإجابة على هذه الأسئلة، والمحاور الذي حاور حياتي مرات ومرات لم يفتح الله عليه بهذه الأسئلة ولم يجب عنها حياتي بكل تأكيد.. ما لا تعلمه الوزارة من خلال متابعتنا، لم تتخذ وزارة التربية والتعليم أي خطوة تجاه ما حدث في كتاب الصف الأول، ولا شك أنها حال فكرت في سحب الكتاب الخطأ فستقف التكلفة حاجزا أمامها، وهي في تقديرنا – الذي تؤكده القرائن – تدبرت أمرها بأن تتبع استراتيجية الهروب من المواجهة، وأن تصمت عن التعليق، وتعالج المشكلة بالتناسي والتجاهل، إلى أن يمضي العام، وفي العام المقبل تشرع في توزيع النسخة المنقحة، وهذا ليس محض استنتاج، إذ أننا في اليوم التالي، وقفنا أمام باب وكيل وزارة التربية والتعليم السر الشيخ أحمد أكثر من مرة، ولم نحصد سوى وعود، وكان كل طلبنا الإجابة على الأسئلة الجوهرية: هل سيتم تعليم طلاب الصف الأول في كتابين مختلفين؟ أحدهما محشو بالأخطاء والآخر منقح؟ وللدقة قابلنا وكيل الوزارة، وأمام مكتبه، ولما طرحنا له سبب زيارتنا، اقترح أن نجلس في موعد، بحضور الطيب حياتي، وكان هذا من قبل شهر تقريبا، وطوال هذه الفترة ظلننا ننتظر أن يتحقق هذا اللقاء ولكن خاب انتظارنا، ولكن ما لا تعلمه الوزارة أن التعامل مع مثل هذا الحادث بأن شيئا لم يكن، وتعمد على التقليل منه يعني أن من يوكل لهم أمر المناهج سيرتكبون مزيدا من الأخطاء، والإهمال، وهذا ما سنبينه بالدليل القاطع في الحلقة القادمة من هذا التحقيق.

اليوم التالي

Exit mobile version