(التحكيم فاشل) العبارة على غير العادة يرددها حكام الكرة أنفسهم حين يتحولون من خانة ضباط الساحة لأسياد فرحها يتدثرون برداء السعادة الأبيض، ويغنون مستخدمين ذات (الصفافير)، يرفعون رايات التماس فوق منصات الإضاءة، يديرون اللحظة وهم في كامل البهاء حكم ببدلة.. مشهد جدير بالتوثيق على غير العادة يدفع الحكام فاتورة تذاكرهم، وهم في الطريق إلى ساحة المباراة.
(الكديوة) إحدى القرى التابعة لمشروع سكر الجنيد قريباً من رفاعة والجنيد، حيث اختار الحكم القومي المسجل في اتحاد سنار المحلي إكمال دينه والاحتفال بزواجه مشروع الفرح الذي يجلب لك الآخرين هنا طاقم تحكيم واحد لا يكفي، الأمر أشبه باختيارات حكم مباراة القمة، حيث تدخل مجموعة من الحكام يتم تحديد من يدير المباراة قبل صافرتها بقليل، لكن الأمر هنا يبدو معلوماً، فالجميع جاء لمشاركة زميلهم فرحة زفافه، وهو يغادر العزوبية إلى مرحلة جديدة، حين يتزوج حكم كرة يكون للآخرين ردة فعلهم الغارقة في خصوصية المشهد والفرحة معاً.. (اليوم التالي) كانت هناك لتنقل تفاصيل ما حدث.
مباراة خاصة
الخامسة وبضع دقائق كان العريس قد انتهى لتوه من (عزومته) وودع آخر ضيف تناول غداءه وارتدى بعدها اللبس الخاص بالتحكيم، فثمة مباراة تقام على شرفه في الحلة يقيمها نادي الشارقة أحد أندية الدرجة الأولى باتحاد الجنيد المحلي، يديرها حكم محترف المباراة بدت وكأنها الأخيرة التي ينفخ في صافرتها الحكم، وهو في حالة العزوبية قبل أن ينتقل إلى مرحلة جديدة المباراة التي جمعت فريقين من الكديوة أدارها ثلاثة حكام بالتناوب، بدت بالعريس قبل أن تتحول منه إلى آخر وثالث أكمل التحدي الداخلي، لكن المباراة نفسها تم توظيفها توظيفاً آخر، حين تحدث الحكم الدولي من سنار المتقاعد أحمد يعقوب، معتبراً أن زياراتهم إلى هذه المنطقة تؤكد أن كرة القدم حالة خاصة للتواصل وأنها عيد الأفراح الدائم، وداعب يعقوب الجماهير قائلاً “قولو التحكيم فاشل بس ما تدقونا”.. أعلنت نهاية المباراة مع توقيت أذان المغرب، لكن إطلاق الصافرة كانت حالة هدنة من أجل إشعالها من جديد.
زفة حكم
دائماً ما يتم زف الحكم في المباريات بحالات المطاردات التي تقوم بها جماهير الفريق المهزوم أو حتى المتعادل، وفي بعض الأحيان المنتصر يظن أن الأمر لا يكتمل دون زفة الحكم باعتباره المخطئ الرئيس في المباراة، ويمكن أن يزف الحكام حكماً نجح في الخروج بالمباراة، لبر الأمان، لكن ثمة زفة مختلفة ليلتئذٍ، تزامنت مع وصول عربة الحكم العريس إلى ساحة الحفل الصاخب بضجيج الفرح كانت الزفة مختلفة تماماً كانت صفافيرها أعلى من صوت مكبرات الصوت المعلقة التي تركت اللحظة لأهل التحكيم لتتويج زميلهم العريس.
رايات وبطاقات ملونة
يعقوب الذي بدا وكأنه يقود تيم الحكام قدم اعتذاراً مسبقاً لأهل الحلة ووعدهم بإثارتهم للضجيج، بدا وكأنه يستعير أصوات هدير الملاعب، أخبرهم بأنهم سيدخلون المباراة (الحفلة) بصافراتهم وبكروتهم الحمراء الثلاثة، الأول للعريس والثاني للعروس أميرة عثمان، بينما الثالث سيكون مقروناً بالاعتذار للجماهير (عفواً نحن نريد هذه الساحة).. السيارة البيضاء المقلة للعريس تتوقف الآن وتتوقف معها كل الأشياء، وتنطلق الصافرات التي يمسك بها الحكام القادمون من سنار ومن الجنيد ومن تمبول.. بدت حالة من الدهشة على محيا كل الحضور ماعدا الحكام باعتبار أنهم تعودوا على هذا الأمر، وتعودوا على الفرح المختلف.. لم يكن في الساحة ساعتئذٍ غير القادمين من خارج حدود الكديوة من السناريين في لجنة التحكيم المحلية التي قادها الدولي عبد العزيز التوم.. المثير في الأمر أنه، وفي اللحظة التي كان يتوقف فيها الفنان بين أغنية وأخرى، كان الحكام يرددون العبارة الأيرة (التحكيم فاشل)، لكن فشل التحكيم لم يكن ليؤثر في حالة النجاح في التواصل الاجتماعي الحميم بين منسوبيه، وكان مصدراً لتعليق البعض.. جميلون هؤلاء الحكام بعيداً عن الملاعب الخضراء.. أجمل حين يتنافسون على جعل القيم تمشي بين الناس، وهو ما دفع بالدولي عبد العزيز التوم للقول إن ما يفعلونه في الكديوة يفعلونه في أماكن أخرى، ليؤكدون قيمة أن أهل الكرة دائما ما يقذفون بها في اتجاه المحبة والتواصل.
كرت من نوع خاص
مثل العادة يحمل الحكام عريسهم فوق أكتافهم ويدورون به في اتجاه الساحة.. يمسك الفنان باللحظة ليغني (سنار أنا والتاريخ بدا من هنا) لا ينسون حين يجعلونه الأعلى في الساحة أن يمنحوه الراية بألوانها الثلاثة التي حملها ليؤشر بها في اتجاه أنه أحرز هدفاً (لا فيهو شق ولا طق)، هدفاً صحيحاً، عبرت فيه الكرة خط المرمى ليعود إلى دائرة المنتصف حاملاً في هذه المرة بطاقة حمراء يوجهها لكل الاتجاهات دون فرز، منتظراً حلول لحظة أخرى يأتيه فيها الرفاق هذه المرة بالهدايا المادية والعينية، ويفتحون الباب أمام أسئلة أخرى، حين يوشحونه بهلال من الذهب الخالص، هلالاً انتظره البعض نجمة ليزيلوا عنهم تهمة اللون الأزرق وانتظره آخرون لأن يكون (صفارة) من الذهب الخالص ويحسمه الممسك بالمايكرفون حين يقول بأن صفارة الذهب هي تلك الروح التي تجمعنا.
اليوم التالي