رفضت وزارة الخارجية السودانية محاولات الربط بين زيارة السفير الأميركي المتجول للحرية الدينية ديفيد داسبر ستان ولقاءاته بالمسؤولين السودانيين يوم (الثلاثاء)، وبين حكم البراءة الصادر يوم (الأربعاء) بحق اثنين من القساوسة المنتمين لدولة جنوب السودان وجرى اتهامهما سابقاً بالتخابر والتجسس. وأصر الناطق باسم الخارجية، السفير علي الصادق، على أن اللقاء لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لموضوع القسين يات مايكل وبيتر ين ريث.
لقاء ودي
على غير العادة انتهى لقاء السفير الأمريكي مع مسؤولي الخارجية على نحو هادي. فالسفير حسب ما نقل عنه لم يكن يبتغي غير التعاون ولا يريد أن يفهم من نقاشاته أنه يريد إملاء أو ممارسة ضغوطات على الخرطوم، وفي الصدد اعترف بأن كثيراً مما يتم نشره من تقارير حول الحريات الدينية في السودان ينحصر على إبداء المساوئ دون الإشارة إلى أي إيجابيات.
وبعد تلك التوطئة، تحصن دابر ستان بمواد في صلب الدستور السوداني، ليتساءل عن دواعي حرمان المسيحين من ابتناء دور عبادتهم، وعن سبب جلد الفتيات بسبب ازيائهن، وعن سر اعتقال من يعيش وفقاً لمعتقده الخاص.
هنا أنبرى وكيل الخارجية، السفير عبد الغني النعيم، للرد على مبعوث الإدارة الأمريكية، مشيراً إلى احترام الدولة لجميع الأديان والمعتقدات حد امساك الدستور الانتقالي لسنة 2005 عن تسمية دين محدد للدولة، ومن ثم قال إن غالبية سكان البلاد يدينون بالإسلام ومؤيدين لتطبيق الشريعة الإسلامية بين ظهرانيهم.
قصة مريم
القضية الأشهر قبيل قضية القساوسة وحرّكت الغرب، كانت قضية مريم يحيى التي برأتها المحكمة من تهمة الارتداد عن الدين الإسلامي، وغادرت على إثر حكم محكمة الاستئناف إلى الفاتيكان.
وكانت محكمة الحاج يوسف أصدرت حكماً بالإعدام على مريم بتهمة الردة، ولكن محكمة الاستئناف أبطلت الحكم الأول، بما في ذلك تطليق مريم من زوجها حامل الجواز الأمريكي.
تغيير ملحوظ
طرأ تغيير كبير في التعاطي الأمريكي مع الخرطوم في عهد الرئيس باراك أوباما، ولأول مرة صار في مقدور السودانيين التمتع بقائمة طويلة من المحظورات تشمل الخدمات التقانية وعلى رأسها أنظمة (قوقل بلاي) الشهيرة للهواتف النقالة.
عليه يمكن عن طريق الأرشيف والقياس معرفة شكل التعامل الأمريكي مع الخرطوم في أوقات سابقة مع ذات القضية (قضية القساوسة) أو مع قضايا شبيهة.
فعلى سني جذوة التوتر بين الخرطوم وواشنطون، سارت الأخيرة في قضبان الدول التي كانت ترى في نظام الخرطوم نظاماً قمعياً يضطهد غير المسلمين ويمارس الرق وخلافاً لذلك من نعوت تسير بها الركبان في العالم.
لكن أن يعترف سفير الحريات الدينية بتركيز مناشير الأديان على سلبيات السودان دون ايجابيته، ويقرر أن زيارته لا تسعى لفرض املاءات على الدولة، فذلك تغيير ملحوظ وكبير في درب تجسير المسافات بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية.
لغة المصالح
مسألة أخرى في موضوع الأديان، ومن الأهمية بمكان، هي تلك المتصلة بالمصالح الأمريكية في عموم المنطقة والمتهددة اليوم بفعل الجماعات المتشددة.
وبالتالي اجترحت إدارة أوباما أسلوب سياسة التهدئة مع الدول التي كانت تصنفها إدارات أمريكية سابقة بأنها محض شر مطلق، وذلك لمساعدتها في وقف تنامي التيار المتشدد، وهو أمر قد يحدث قولبة في معادلة العلاقة بين واشنطون واعدائها السابقين، من نواحي الصراع إلى جهة المنفعة.
وغير خافٍ على أحد مخاوف الأمن القومي التي تنتاب جموع الأمريكيين من تنامي نفوذ الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، ومخاوفهم الحقيقية من إرسال “اليانكي” للقتال في الدول التي تشهد اضطرابات؛ وعليه استلزم الأمر سك سياسة جديدة بالكلية.
ويرجح أن تكون السياسة الامريكية الجديدة قائمة على تقوية تيارات الاعتدال وفي مقدمة ذلك الطرق الصوفية. وفي السودان استطاع القائمون بأعمال سفارة واشنطون في الخرطوم ابتناء علاقات حسنة برجالات الطرق الصوفية، ويقال إن إسهامات أهل الطريق مع بقية المكون الشعبي أسهم في تقليل حدة العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان.
لكن لا بدّ من التأشير إلى النفي المغلظ الذي تسوقه جماعات صوفية من أن تكون أداة لخدمة المصالح الامريكية، وذلك مع التشديد على أن نهج التسامح الصوفي مبذول وموفور.
دهشة
جدير بالذكر أن القائم بأعمال السفارة الأمريكية، السفير جيري لاينر، كان عبّر عن اندهاشه من محاولة اقتحام السفارة الأمريكية بضاحية سوبا من قبل محتجين على الرسوم المسيئة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، وذلك لما خبره من تسامح صوفي.
الصيحة