المصالح داخل أحزابنا قادت إلى صراعات متعددة وانقسامات في معظمها، والدليل على ذلك أن أحزابنا السياسية الكبيرة كل واحد منها انشطر إلى عدة أحزاب، فمثلاً حزب الأمة القومي الذي كان يعد في يوم من الأيام أكبرها حجماً وعدداً وولاءً.. ولكن المصالح الشخصية والمنافع جعلت منه مجموعات متعددة، الأمة القومي، الإصلاح والتجديد، والفيدرالي، المتحد وغير ذلك، بالإضافة إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي أصبح (الأصل) وبقية الأحزاب.
أما الحركة الإسلامية التي كانت في يوم من الأيام تحلم بحكم البلاد وسعت لذلك عشرات السنين كابدت وعانت وهاجرت، ولكن عندما اعتلت السلطة أصبحت هناك مطامع ومصالح ومغانم أدى إلى انشطارها إلى حزبين، ثم ثالث وربما رابع، وحتى الحزب الشيوعي السوداني الذي لم يتوقع أحد انشطاره أو انقسامه في يوم من الأيام أصابته لعنة الانقسامات ولو لم تكن الانقسامات حول المال أو المنصب.
فنلاحظ الآن وعلى سبيل المثال ما جرى لحزب الأمة القومي وتعدد الأحزاب المنشطرة منه والصراعات الدائرة الآن، ولم يخلُ حزب منها إلا وفي داخله ناموسة ترن ليل نهار مما أفقدها التوازن والسبب كله مصالح. والانتخابات التي انتهت مؤخراً أفرزت صراعات داخل تلك الأحزاب، كل يريد أن يحظى بالوزارة أو أي منصب تنفيذي في الحكومة، وهذا خلق خلافاً حاداً بين رئيس الحزب وبقية الأعضاء الآخرين، رغم أن الأعضاء كانوا السبب الأساسي في اعتلاء هذا الشخص رئاسة الحزب، ولكن بعد أن تمتع بكل الصلاحيات أصبح الكل في الكل وكل من خالفه الرأي فليشرب من البحر أو تجمد عضويته، أو يفصل نهائياً من الحزب وهذا ما حدث لبعض الأعضاء مثلاً في حزب الأمة المتحد برئاسة “دقنة” فجاءت بالأمس عدد من قيادات الحزب يشكون مر الشكوى من تغول رئيس الحزب على كل الصلاحيات وانفراده بالقرار، بل سعى لفصل البعض منهم وتجميد عضوية الآخرين، مما سبب لهم إزعاجاً شديداً ولسان هؤلاء القيادات ربما يقول لقد هربنا من الدكتاتورية داخل حزب الأمة من أجل إحلال الديمقراطية، بينما يجدون الدكتاتورية تتابعهم أو كما يقولون ما بكينا من شيء إلا بكينا عليه.
إن معظم الأحزاب التي انشطرت من حزب الأمة القومي كانت تبحث عن المصالح ولذلك لن يتنازل “دقنة” عن رئاسة حزب الأمة المتحد، بعد أن ذاق حلاوة الوزارة وعظمتها طوال الأربعة شر عاماً الماضية. وكذلك الدكتور “الصادق الهادي” و”مسار” والدكتور “نهار” فمن الصعب على رؤساء تلك الأحزاب التنازل عن دفة القيادة، وعلى منسوبي تلك الأحزاب إما أن يتعاملوا معها وفق الواقع أو البحث عن خيار آخر، بإقالة الرؤساء أو طرح الثقة فيهم إن كانت لتلك الأحزاب قاعدة كبيرة تؤمن بالديمقراطية، وإلا ستصبح الرحلة مستمرة من الأمة القومي للأمة المتحد، ومن الأمة المتحد إلى الإصلاح والتجديد أو الإصلاح والتنمية.