عند الخامسة والنصف من مساء أمس(الثلاثاء) دخلت إلى قاعة المؤتمرات بفندق كورنثيا بشارع النيل بالخرطوم لجنة الوساطة التابعة لمجلس السلم والأمن الأفريقي، المكونة من بضع رؤساء أفارقة سابقين. هذا المشهد تكرر كثيراً منذ ست سنوات، ظلت فيها لجنة الوساطة الأفريقية تأتي لتجتمع مع الفرقاء السودانيين ثم تعود إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لترفع تقريرها إلى الاتحاد الأفريقي، ليمدد الأخير التفويض الممنوح لها لتعاود سفرياتها إلى دولتي السودان، وتظل الأزمات في مربعها الأول.
ماذا فعلت اللجنة؟
قال أمبيكي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء أمس الثلاثاء بفندق كورنثيا إن اللجنة وبعد أن استمعت إلى وجهة نظر الرئيس البشير حول الملف السوداني يوم الإثنين أول أمس، إجتمعت أمس أيضاً بالقوى السياسية السودانية غير المؤتمر الوطني وحلفائه، لسماع وجهة نظرهم حول المباحثات الخاصة بحل حالة الاحتراب والاحتقان السياسي في السودان.
المعارضة تتمسك بموقفها
وأوضح أنّ المعارضة السياسية تمسكت بوجهة نظرها بضرورة تحقيق شرطين أولاً، وهما احترام المؤتمر الوطني لخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة سابقاً في أديس أبابا. والجلوس لتحديد الإجراءات قبل الانخراط في الحوار الوطني. وهو موقف أعلنته المعارضة السياسية منذ فشل اجتماع مارس الماضي الذي دعت له لجنة الوساطة الأفريقية ورفضه المؤتمر الوطني وأورد أسباباً لهذا الرفض.
الذهاب إلى المعارضة الخارجية
وأوضح أمبيكي إن اللجنة بصدد الاجتماع بالمعارضة السودانية الموجودة خارج السودان، سمى الصادق المهدي تحديداً، لسماع وجهة نظرهم حول المباحثات مع المؤتمر الوطني. فيما كشف عن اجتماع يعقد مع الحركات المسلحة في العاصمة الإثيوبية منتصف أغسطس الحالي لذات السبب. عقب ذلك ترفع اللجنة تقريرها إلى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ليقرر في الخطوات التالية.
المفاوضات مع القطاع
ويبدو أنّ ملف المنطقتين لا يزال يراوح مكانه حيث قال أمبيكي إن الرئيس البشير أكّد له استعداد الحكومة للجلوس في مفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال فقط لبحث اتفاق سلام نهائي وليس وقف مؤقت للعدائيات أو أي بند آخر، فيما كان القطاع يصر على بحث الأزمة السياسية في السودان كافة وليس ملف المنطقتين تحديداً. واعتبر أمبيكي أن موقف حكومة السودان لا يتعارض مع البيان رقم 2046 الذي أصدره الاتحاد الأفريقي حول هذه النقطة وقال إن البيان تحدث عن عملية واحدة بمسارين.
لا بديل للدوحة وقطر
وقال أمبيكي إنهم بصدد الاجتماع بالحركات المسلحة الدارفورية منتصف أغسطس الحالي بأديس أبابا لمعرفة وجهة نظرهم حول مباحثات السلام والمشاركة في الحوار الوطني. لكن أضاف أن الرئيس البشير قطع في حديثه معه بأنّ الباب مفتوح لكل حركات دارفور المسلحة للحاق بعملية السلام، لكن على أساس وثيقة الدوحة وأن تكون الدوحة هي المقر لأية مفاوضات لاحقة تحت الوساطة القطرية مع أمكانية قبول أطراف أخرى كوسطاء أيضاً مع قطر.
العلاقات بين دولتي السودان
وتوقع أمبيكي عقد مباحثات بين دولتي السودان على مستوى وزراء الدفاع قريباً في أديس أبابا، لبحث إنفاذ الترتيبات الأمنية وخاصة إنشاء المنطقة معزولة السلاح بعرض عشرين كيلومتراً على حدود البلدين وتسيير دوريات مشتركة لمراقبة الحدود ومنع تسلل الحركات المسلحة بين البلدين. يشمل ذلك الحركات المسلحة المعارضة لحكومتي البلدين.
منطقة أبيي
وأشار إلى التتخطيط لعقد اجتماع بين المسيرية ودينكا نقوك لتطبيع العلاقات بينهما كوسيلة شعبية لحقيق السلام ونزع فتيل التوتر هناك. وقال إن وفد المسيرية حضر فعلاً إلى أديس أبابا، إلا أن وفد دينكا نقوك فشل في آخر لحظة. لكن بحسب قوله تجري المحاولات لتمكين وفد دينكا نقوك من اللحاق بهذه المباحثات الشعبية على مستوى الزعماء المحليين.
لا تلومونا بل لوموا أنفسكم
(التيار) طرح على رئيس اللجنة الأفريقية العليا للوساطة، ثامبو أمبيكي، سؤالاً عن الخطوة التالية للوساطة الأفريقية بعد فشلها في تحقيق اختراق في المباحثات بين الأطراف السودانية لست سنوات، في حال الفشل أيضاً هذه المرة في ذلك، فرد أمبيكي قائلاً: إن اللوم يجب أن يوجه للاطراف السودانية وليس اللجنة، لأن المشكلة تخص السودان والفاعل الأساسي فيها هم الأطراف السودانية..!!
وأضاف على السودانيين عدم ترك المشكلة لطرف واحد وإن الأمر يهم السودانيين باعتباره مستقبل بلادهم. وأضاف إن التقرير في مستقبل السودان يجب أن لا يكون حكراً على فرد أو جهة واحدة وإن على السودانيين التحرك لمنع ذلك.
رد فعل التحالف الوطني
من جانبها اتهمت قوى التحالف الوطني، الحكومة بنسف الحوار الوطني، بعد رفض الحكومة لأي حوار تحضيري خارج السودان مما يعني عدم مشاركة الحركات المسلحة والمعارضة الخارجية لأنها لم تشارك في وضع خارطة الطريق ولا اعتمادها. مما يعني عدم وجود ضمانات للمعارضة ولا للحركات بسلامتهم.
وقال نائب رئيس حركة الإصلاح الآن حسن رزق في تنوير سياسي عقب لقائهم رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، ثامبو أمبيكي، والوفد المرافق له أمس (الثلاثاء) إن الحكومة أعلنت بأن خارطة الطريق غير ملزمة لها إذا تعارضت مع قوانينها الداخلية بالرغم من توقيعها عليها وتسليمها لمجلس الأمن الدولي واعتمادها من الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي.
وفي السياق ذاته قال رئيس حزب التضامن عضو قوى التحالف الوطني طه يس إن الحوار الآن بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي لعدم التزام الحكومة بخارطة الطريق المتفق عليها وانسحاب الأحزاب المعارضة سواء بالداخل أو بالخارج.
وقال طه في تصريحات لـ(التيار) إن أمبيكي أبلغهم بأن البشير ومساعديه سيقدمون الضمانات اللازمة للحركات المسلحة ولكن هذه الضمانات غير كافية كما قال طه مشيراً إلى أن الحكومة بموقفها الذي أعلنته أمام أمبيكي قضى بتنكرها لخارطة الطريق التي شهد عليها الاتحاد الأفريقي واعتمدت لدى الاتحاد الأوربي ومجلس الأمن وأضحى التحاكم عليها ملزماً للحكومة والمعارضة، ورأى رئيس حزب التضامن إن الية 7+7 ما هي إلا دمية تستخدم للحوار الحكومي الحكومي الذي سيفضي حسب قوله إلى حصيلة صفرية تزداد على إثرها مشكلات البلاد تعقيداً.
الهمس جهراً
مكثت اللجنة الرفيعة للوساطة الأفريقية أربعة أيام في السودان، وعندما تصل الصحيفة إلى القارئ ستكون اللجنة غادرت إلى إثيوبيا، مع خطة للسفر إلى القاهرة للاجتماع بزعيم حزب الأمة الصادق المهدي.
والمراقب لمجريات الأحداث يلحظ بجلاء إن اللجنة هذه – لجنة أمبيكي – ظلت لست سنوات أو تزيد أو تنقص قليلاً تقوم بنفس الزيارات والأسفار التي يدفع كلفتها الاتحاد الأفريقي مالاً، فيما يدفع الشعب السوداني ثمن فشل اللجنة في تحقيق اختراق في الأزمة السودانية دماً وضياع أجيال لا تجد طريقها إلى المدارس.
قد لا يصدق القارئ أنّ الصحفيين الذين حضروا المؤتمر الصحفي أمس تنبأوا بما سيقوله أمبيكي قبل أن يبدأ المؤتمر وصدقت تنبؤاتهم هذه. وفي حال استمرار إصرار أطراف الأزمة السودانية على تمسكها بمواقفها ستتكرر زيارات أمبيكي ورفاقه إلى الخرطوم ويستمر الرصاص سيد الموقف في المنطقتين ودارفور.
التيار