عجيب أمر الدكتورة “سمية أبو كشوة” وزيرة التعليم العالي وهي تغض الطرف عن الأسباب الحقيقية لتنامي ظاهرة التطرف في أوساط الطلاب والطالبات.. والانسياق وراء شعارات حركة (داعش).. الوزيرة “أبو كشوة” تقدم تبريراً خطيراً كسياستها التي انتهجتها منذ جلوسها على كرسي الوزارة، وانحيازها الأعمى للطبقات الرأسمالية ومعاداتها السافرة للفقراء والمساكين من الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات من خلال منح مخصصة لبعض المناطق وجاءت الوزيرة (لتلغي) تلك المنح. دعنا من ذلك سنعود إليه ولكن نقرأ تصريحات الوزيرة التي تقول: كشفت وزارة التعليم العالي عن التحاق مزيد من طلاب الجامعات بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقللت من خطورة الظاهرة مقارنة بدول أخرى، وقطعت بأن التحاق بعض طلاب جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا “مأمون حميدة” بالتنظيم لم يرق بعد لدرجة تدعو لإغلاق الجامعة. وأعلنت “سمية أبو كشوة” عن وضع خطة مع الجهات المعنية في الدولة لمحاصرة (داعش) عبر برامج تعزز مبدأ الإسلام الوسطي والتوعية به عبر وسائل الإعلام. وحذرت من ظاهرة تطرف الطالبات الجامعيات وانضمامهن إلى (داعش) واعتبرته أمراً مزعجاً وتعهدت بمعالجته مع الجهات ذات الصلة. ما هي الجهات ذات الصلة التي تلوذ إليها الوزيرة في حديثها غير وزارة التعليم التي تركت للجامعات حرية حظر النشاط الثقافي والسياسي في منابر الطلاب، وجعلته من الموبقات التي تؤدي لفصل الطلاب. ونتيجة لتلك السياسات القمعية نشأ جيل من الطلاب يجهل كل شيء عن الفكر والثقافة والأحزاب.. ودائماً ما يلجأ بعض المسؤولين لمقارنات هلامية يبررون بها فشلهم مثل قول الوزيرة، بأن ظاهرة التحاق الطلاب بداعش من السودان أقل من دول أخرى، ما هي تلك الدول؟! السودان ليس مشيخات الخليج ولا دكتاتوريات المغرب العربي.. هنا نظام إسلامي يعتبره عدد مقدر جداً من الناس يلبي أشواقهم، ولا وجه مقارنة ين السودان والدول التي تقول الوزيرة إنها تشهد هجرة إلى (داعش). وهل مثل هذا الحديث مسنود بأرقام وإحصائيات أم هي حوائط سهلة تتكئ عليها وزيرة التعليم العالي.. وهي الوزارة الأولى في الدولة حتى لو جاء ترتيب وزارة الدفاع والداخلية والخارجية متقدماً عليها، لأن انشغالات أهل السلطة أمنية ودفاعية فيه أكثر منها بحثية وعلمية.
إذا كانت الوزيرة تعتقد أن وسائل الإعلام يمكنها تقديم الإسلام الوسطي بما يقنع الطلاب فهي تمني نفسها فقط.. ووسائل الإعلام التقليدي القديم (مشغولة) بأخبار دقيق الخبز وزيادة سعر الكهرباء وآلية (7+7) التي تعذر عقد لقائها بالرئيس منذ مارس الماضي.
في سنوات قبل مجيء د.”سمية أبو كشوة” لوزارة التعليم العالي كان طلاب منطقة جبال النوبة يتم تقديم منح لهم من الجامعات الحكومية والخاصة، تعويضاً عن ما حاق بالمنطقة من تخلف وتدهور في البيئة التعليمية، حتى أصبح الطلاب القادمون من ولاية جنوب كردفان ليس بمقدورهم دراسة الطب والهندسة. وجاءت اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية ومتمردي الحركة الشعبية مجموعة “محمد هارون كافي” 1997م، ومنذ ذلك الحين وبنصوص الاتفاقية تم تمييز طلاب المنطقة إيجاباً.. وولج ساحة الجامعات الآلاف من الطلاب وحتى بعد انقضاء أجل الاتفاقية.. استمرت الجامعات في تقديم المنح الدراسية برعاية وزراء التعليم المتعاقبين التي جاءت البروفيسور “سمية أبو كشوة” وسدت الأبواب في وجه المئات من الطلاب.. و”أبو كشوة” تمتد جذور بعض شجرة عائلتها إلى منطقة “تلودي” ولكن ، يبدو كأنها ما كانت تحمل في جوانحها كثير رحمة لطلاب منطقة طحنها البؤس بسبب الحرب ولا هي وفية لمنطقة على الأقل جزء من أسرتها يعتبرونها وطنهم الذي لاذوا إليه في سنوات السلم والرخاء.
وزيرة التعليم العالي لو نظرت وقدرت أسباب الوزارة هي ما أدى لتنامي ظاهرة (داعش). رحم الله التعليم العالي الذي كان.