توقف فى محطة رُكاب ولم يتحرك ثانية..
صاح به الركاب للتحرك ولم يستجيب..ماذا به..
عاد إلى بلاده للاستقرار فيها بعد أن أمضى كل سنوات الشباب فى غربة طال أمدها بحثاً عن ما يقتات به هُنا ، عاد شيخاً فى منتصف عقده السادس أنهكته الغربة الطويلة وقد عاد منها صفر اليدين ، جاء يبحث عن استقرار بلا مُعينات ، لا منزل يأويه ولا مال يُمكن أن يبدأ به مشروع يُناسب عُمُره ..
أرسل أموالاً طائلة لاستثمارها فى منطقته وبين أهله هُناك حيث الزراعة وتربية المواشى فى سنوات غربته الأولى ، عاد فى اجازة قصيرة للزواج بعد أن وقع اختياره على زوجة لم تربطه بها أى صلة الصدفة وحدها جمعته بها وتم الزواج ، ذهب يبحث عن أمواله تلك لم يجد شيئاً والفقر قد اجتاح الجميع ، سنوات الجفاف والمحل التى أصابت البلاد جففت معها كل ما يملكه أهله ولم تستثنى أمواله..
عُد يا هذا إلى غربتك واحتسب ما فقدته من أموال..
عاد إلى غربته ولم يُعد يثق فى أحد سوى زوجته وإخوتها ، أرسل لها لبناء منزل كبير فى قريتها البعيدة مثلما أرادت هى مع شراء كل الأثاث ، استمرت الحياة بينهما هكذا يأتى لقضاء اجازته فى منزله بين أهلها ثم يعود ، لم تُنجب الزوجة وكانت نتائج الأطباء فى غير صالحها وبذلك لم ولن تتمكن من الانجاب ، لا خيار أمامه سوى الزواج من أخرى ربما تُنجب له ذرية تقر بها عينه وتُعينه فى ما تبقى من حياته وقد تجاوز عقده الخامس وقتها ، اختاروا له فتاة ثلاثينية أنجبت له وفى عامها الأول ، أصابت الغيرة زوجته الأولى وبدأت المشاكل التى انتهت بالطلاق ، ترك لها المنزل ومافيه وبدأ حياته مع الثانية ، لم تعُد الغربة تُعطى كما كانت ربما يستطيع توفير مبلغ بالكاد يكفى ايجار المنزل ومصروفات المنزل اليومية..
سنوات عشر مرت وقد أنجب فيها عدد من الأبناء..
تم الاستغناء عن خدماته هُناك بعد أن قلّ العطاء وتقدم به العمر..
عاد للاستقرار فى مأوى الغير ولم يزل الأبناء فى مراحلهم الدراسية الأولى ، التزامات صاحب المنزل تنتظره مع بداية كل شهر مضافاً إليها المصروفات اليومية للمنزل والمدارس ، هكذا ضاعت سنوات العُمُر وما جمعه فيها ، بحث عن وسيلة تدُر عليه وفى أمان ما يقتات به ولم يُوفق، لم يجد أمامه سوى العمل سائقاً فى سيارات (الركاب) التى تخُص الغير(جوكى)يذهب باكراً ربما يجد سيارة يقودها أو ربما لا يجد يعود فى المساء تنتظره الاحتياجات وتُحاصره الالتزامات.
توقف يوماً أثناء قيادته للبص فى إحدى المحطات لنزول بعضهم وركوب آخرين ولم يتحرك ..لقد فارق دُنيانا بسلام..
رحمةٌ من الله تغشاه..
بلا أقنعة..
صحيفة الجريدة..