دائماً ما نتهم الزمن بما يحدث من تغييرات غير مرغوب فيها داخل المجتمعات بصورة عامة، ونلقي باللائمة عليه، متناسين أن ما يحدث في الزمن هو نتاج تصرفاتنا السيئة والحسنة معاً، وليس للزمن يد في ذلك الأمر، حتى أن الأمثال تقول: “التسوي بايدك يغلب أجاويدك” و”التعوسو تاكلو” و”التسوي كريت تلقاو في جلدها” ما في زمنها.
ويقول الإمام الشافعي “نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا”، ودائماً ما نجد أجدادنا وجداتنا وحتى أمهاتنا يمدحون الأزمان السابقة، ويؤكدون أنها كانت مباركة بالطيبة والمحنة والتسامح والإخاء والمحبة، فهل ما يحدث من تغيرات في مجتمعنا نتاج “نخر إيدك” أم إيد الزمن؟
عوامل اقتصادية
بالنسبة للاختصاصية النفسية د. سلمى جمال أن حجم الأسرة ونوع العلاقات داخل الأسرة هو ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية سلباً أو إيجاباً، فضلاً عن أن الزيارات المتداولة بين الأهل بشكل منتظم، والأعياد والمناسبات واصطحاب الأطفال ينمي لديهم شيئين أساسيين، الأول وجود أشخاص مؤثرين غير الوالدين والثاني ضرورة التواصل مع هؤلاء الأشخاص، مشيرة إلى ضعف التواصل وصلة الأرحام بعد أن ولجت المرأة العمل في السنوات القليلة الماضية. وأرجعت د. سلمى ذلك إلى الالتزامات الكبيرة التي تواجهها الأسر بعد الضغوط الاقتصادية التي ضربت البلاد في الآونة الأخيرة. وتابعت: لأن الالتزامات أصبحت كثيرة وتقسم الزمن المتبقي على المنزل والعلاقات الاجتماعية داخل الحي بالإضافة إلى التطوير الذاتي، أضعفت من حجم العلاقات الاجتماعية الأخرى البعيدة، التي اعتمدت في تواصلها على الهاتف في كثير من المناسبات. وقطعت بأن ذلك سيخلق مشكلة كبيرة للأجيال القادمة، لأنه سيؤطر علاقاتهم الاجتماعية ويضعها في اتجاهات محدودة، فينعدم تواصل الأجيال، ولا يجدوا بذلك مرجعية للقيم والمثل التي نستقيها من الكبار.
إحساس عالٍ
ولفتت د. سلمى إلى أن العوامل الاقتصادية هي المحفز لتواصل الأفراد ببعضهم البعض، وقالت: نجد أن إحساس المجتمعات البسيطة ببعضهم البعض عالياً جداً، بعكس المناطق الحضرية التي فقدت قيمتها وتعمقت فيها الاستقلالية وعدم الحوجة للآخر. وأضافت: حتى لا تتفاقم الأزمة لابد من تداول الآيات والأحاديث التي تحث على التواصل الاجتماعي وصلة الأرحام بشكل خاص، منبهة على ضرورة التربية من خلال الأسر الممتدة، لأن الجوانب الروحية والزيارات الاجتماعية متنفس لمختلف المشاكل التي تواجه الإنسان.
عدة عوامل
فيما أشار أستاذ العلوم الاجتماعية د. حسين عبدالرحمن إلى أن المجتمع في حالة تغير مستمر في جميع النواحي، لافتقاده للعديد من العوامل الداخلية والخارجية. وقال: من أهم العوامل التي أحدثت تغيراً كبيراً في شكل العلاقات الاجتماعية من جيل إلى آخر، العامل الاقتصادي الذي يرتبط بوضع الأفراد في حال ازدياد حدة الفقر للبعض، وبذلك تتشكل العلاقات وفقاً لهذه المعايير، غير أن العامل السياسي يلعب دوراً كبيراً في إدارة المجتمع برمته سواء أكان متوافقاً مع المجتمع السياسي أو متعارضاً معه، حيث تتشكل العلاقات وفقاً للمصلحة، بالإضافة إلى عامل التكنولوجيا والاتصالات التي تؤثر بصورة مباشرة على علاقات الأفراد فيما بينهم كل حسب تعاطيه مع هذا العامل. ودلل د. حسين على ذلك بالتأثير الكبير التي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها على شكل العلاقات الاجتماعية بين الناس. وقال إن الأمر لم ينته عند تبادل الثقافات وحسب، بل أحدث فاصلاً زمنياً وفكرياً بين الأجيال.
تأثيرات الكوارث
وختم د. حسين حديثه بأن العوامل الطبيعية (الكوارث) كثيراً ما تؤثر أيضاً في تغير المجتمعات، مشيراً إلى الكوارث البشرية (حروب نزاعات وثورات) لما لها من علاقة وثيقة بالبعد السياسي. وقال إنها تعيد تشكيل المجتمع بصورة جديدة، أما عامل الهجرة والنزوح أوضح أنه يؤثر في المجتمعين المرسل والمستقبل، أثناء عملية تناقل وتبادل الثقافات والتقاليد المتبعة، بحيث تؤثر وتتأثر حسب المعطيات والعوامل المؤثرة المرتبطة مع بعضها البعض.
اليوم التالي