ساهمت الفضائيات في اتساعها “النجومية”.. حينما يتوهمها البعض

داعت في الفترة الأخيرة ظواهر عديدة وأخذت حيزاً ونطاقاً واسعاً من التفشي والانتشار على جميع جنبات المجتمع. هذه الظواهر منها ما هو اقتصادي وآخر اجتماعي، إضافة إلى جزئيات أخرى لا نريد التطرق إليها في هذا الموضوع الآن.
ولكن نسلط الضوء – هنا – على إحدى الظواهر لضرورتها وأهميتها النابعة من الصدى والذيوع الكبير، وهي ظاهرة (النجومية)؛ شروطها ومقاييسها.. وذلك على خلفية (التوهم) الكبير من أشخاص يعتبرون أنفسهم يستحقون هذه الصفة. والغريب في الأمر – ودون التأكيد على هذه الصفة من قبل الآخر.. وعلى خلفية ظنهم بذلك بدأوا فعلياً العمل وتصرفوا على أساسها.. مما جعلهم (مستكبرين) في نظر المعنيين. وحتى نضع النقاط على الحروف ونفند هذه الادِّعاءات؛ أجرت “التغيير” استطلاعاً موسعاً حول الظاهرة مع عدد من الرموز والشخصيات، وخرجت منهم بإفادات واضحة لا تحتاج إلى شرح مطول.
وعلى جزئية خاصة، وصف بعضهم الأمر بعدم الثقة، وآخرون عزوه إلى (الفضاء الواسع) الذي باتت تأخذه وسائل الإعلام، والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، التي ساعدت – وبشكل كبير – على تفشي الظاهرة التي سماها البعض بالـ(تنجم)، فهناك فرق صريح بين (النجم والمشهور والمتنجم).
ودافع آخرون وقارنوها بالموضوع قياساً على شروطها وأحقيتها، واتفق معظمهم على أن المستحقين لهذا الأمر بصفة المثال (الراحل محمود عبد العزيز) قياساً على مشروعه، والإعلامية ليلى المغربي، والخلوق اللاعب والي الدين وايداهور. ومن الأحياء أبو عركي البخيت والموسيقار ود الأمين، ووهنالك آراء أخرى ستطالعونها عبر مضابط هذه المساحة.
الفنان عبد الكريم أبو طالب: الشباك وحده هو من يعطي الصفة
موضوع كبير والخوض في حساباته على الأسس والشروط والمقياس، يعد أكثر صعوبة، ولكني أرى – ومن اتجاه محدد وهو الفن – أن النجم في الوسط الفني هو الذي يسيطر على الشباك ولسنوات عديدة، وإن دلت سيطرته فإنما تعكس مدى قبوله والإعجاب، بل تصل الاندهاش من طرف الجمهور الذي يقدمه على حساب ظروف كثيرة، ما عدا ذلك فإنما يعد ظهوراً ليس إلا، ونستصحب معنا الظهور في المناسبات الخاصة لعدد من المطربين بأنها – كما ذكرت – لا تعد نجومية كاملة، بل مجرد مساحة استوعبت مادتهم الغنائية دون شروط أو مواصفات.
المذيع اسكونس: النجومية الآن زي حبة البندول تزول بزوال المؤثر
عن نفسي أتساءل ما الشروط أو المقاييس التي بموجبها تقدم الصفة.. ويزيد الأمر تعقيداً عندما نتحدث عنها بإسهاب.. فقط أقول إنه باتت أسرع ما يكون.. ويتوهم بها أناس لا صلة لهم بأي شيء.
وإذا قارنا بالماضي القريب نجد أن صفة نجم تعطى بعد سنين طويلة من الظهور المشرف والأداء الرسالي.. والقضية والمبدأ تحقق الهدف المنشود.. لكنها الآن – وعلى سبيل المثال – أصبحت (زي حبة البندول.. تزول بزوال المؤثر)، ينتهي بريقها بمغادرة الوضع والمكان الذي كنت فيه.
الموسيقار يوسف القديل؛ يرى أن للنجومية مقومات، أهمها عند أي فنان أن يكون جاداً في مشروعه ورسالي؛ صاحب فكرة أو رسالة محددة يريد توصيلها.. ولا يتم ذلك إلا بعد توفر ألحان جميلة وكلمات معبرة ذات تأثير؛ يتم عبرها تكوين جمهور عريض، وخير مثال أبو عركي البخيت والراحل محمود عبد العزيز.
وعن الأسباب التي أدت إلى هذا التوهم.. عدم الرقيب الضميري والعام مما دعا الشباب إلى اختيار ألفاظ غريبة لا صلة لها بالفن وذلك (بلفت النظر) بمفردة أو عبارة محددة مثلاً (قنبلة) مقارنة (بالمصير) فكيف تتحقق هذه النجومية.
الظروف الاقتصادية؛ والتي – بلا شك – ولدت مشكلة اجتماعية أثرت وبشكل كبير في الموضوع، وأسباب أخرى نتطرق لها في مساحات أخرى.
الإعلامي سعد الدين إبراهيم (النجومية في السودان “كفر ووتر” ونأسف لمجتمع يجعل بكري المدينة معروفاً أكثر من الطيب صالح.
ويرى الإعلامي الضليع؛ سعد الدين إبراهيم أن النجومية في السودان محصورة في إطار ضيق وهي “كفر ووتر”.
وهذه النقطة أدت إلى الابتعاد عن جزئيات حقيقية في مقابلة النواحي الأخرى وعلى مقابلة ذلك (استحوذ الفن الغنائي على هذا الإطار) متجاهلاً بقية الفنون الأخرى كالتشكيلي الذي لا يوجد فيه نجم، والأدب والشعر.
وللحقيقة ظهرت برامج في الفترة الأخيرة.. سارت على منهجية صناعة النجوم، استبشرنا بها خيراً، مثل (ريحة البن) و”أغاني وأغاني”، ساعدت في ظهور أشكال وأصوات إذا تريثت قليلاً بإمكانها أن تصنع وضعاً خاصاً يمكنها من استحقاق اللقب.. ولكن يعاب على هذا الجانب أن أبرز الشخصيات التي تعتقد هذه الصفة لا تمر باللجان أو الورش مما يحرمها من الظهور التسلسلي على النهج الطبيعي الذي لا يسمح بالاستمرارية، مما يجعلها – بمرور الوقت – موقوتة غير دائمة.
وأضاف (سعد الدين) أن شروط النجومية في السودان؛ تعد قمة السهولة ولا تحتاج لعناء كبير.. لأننا لا نمتلك الآليات لصناعة النجوم، ويتم العمل بها على مرتكزات عفوية وليست حقيقية.
وفي حديثه بعدم استثمار النجومية في نواح تدعم المجتمع وتساعد على استمرارية الشخص النجم؛ حيث تجد أن هم الشخص المذكور وأهم أولوياته (عربات – سفر) لا يتحرك لتأسيس مشاريع مربوطة بالجانب الذي يشغله مثل شركة إنتاج أو فيلم غنائي سينمائي أو غيره من الاستثمارات التي بإمكانها أن تعينه في مشواره، وبإمكان الفن الاستفادة منها، ولا أستثني المجتمع من هذا الذي يجعل من بكري المدينة معروفاً أكثر من الطيب صالح.
المذيعة سهام عمر: (لا يوجد في السودان نجم)
ذكرت المذيعة سهام عمر أنه لا يوجد في السودان نجم بالشكل الكامل الآن، ولكن يوجد شخص مشهور.. من مواصفات النجم أنه لا يستطيع الارتباط بين الناس لدرجة أنه لا يستطيع أن يمشي بينهم.. ضف على ذلك الحسابات الأخرى بضرورة أن يكون مؤثراً على كل محيطه.. والتمتع بقبول رباني (محبوب) وإذا كان هناك شخص أقرب لهذه الصفة فهو محمود عبد العزيز بما قدمه من جوانب فنية وأدبية، وكذا إنسانية تُرجمت في حب الناس له.
المذيعة غادة عبد الهادي: (جعفر نميري نموذج للقائد النجم) ومحمود ونادر خضر في مستوى واحد
أنا دائماً بقول (إنو مجتمعنا السوداني بسيط). المعنى أن النجومية عنده ليست بالمستوى الخارجي المتعارف، وعلى ضوء ذلك في الوسط الفني الذي أعني به الفن الثقافة والإعلام؛ تجدهم – بطبائعهم المختلفة عن الشكليات التي يتعامل بها (النجم)؛ حيث تجدهم في سرادق العزاء والسوق، وكذا الشارع العام.. وإذا قمنا بمقارنة مبسطة نجد أن نجم هوليوود (توم كروز) إذا قرر التسوق يغلق له المحل.. حتى ينتهي من تسوقه.. حيث نجدها هنا تتمتع بمظاهر ودية وهذه هبة من الله.
وواصلت أن الماضي احتوى على مظاهر نجومية على جوانب عديدة.. أدبية فنية.. وسياسية، واعتبرت أن جعفر نميري نموذج للقائد النجم.. والإذاعة السودانية التي كانت في فترة من الفترات نجمة. وعن الأسباب التي أدت لانزواء الصفة؛ واصلت غادة أن التحولات التي حدثت في المجتمع “رؤيته وفهمه” وكذا الثوابت، جعلت منها مجرد وهم يعيشه الآخرون ظناً منهم بذلك.
وختمت مقارنة بما ذكرته على مستوى الفن؛ أرى أن محمود ونادر خضر في مستوى واحد من النجومية بإسهاماتهما، وأن الإعلام لا توجد به مكانة تليق بقدر النجوم.
وواصلت إلا أن التعامل معها يأخذ شكليات قل أن تجدها في غير السودان، وذلك بسودنة الأفكار والمعاملات من قبل الشخص المذكور.
وعن شروطها وأهليتها ضربت مثالاً بالإعلامية ليلى المغربي والتي وصفتها بأنها قدمت عطاءً فكرياً وأدبياً غير محدود، إضافة لإسهاماتها في جوانب أخرى مثل (نادي الهلال). هي تستحق أيقونة النجومية الحقيقية.
وعن الوقت الراهن، ذكرت أنها لا تريد أن تظلم جيلاً بكامله، ولكن لا يوجد شخص يستحق اللقب، على أساس أن الصفة تحتاج لسنوات كبيرة مدعومة بإنجازات وإسهامات متعددة.

Exit mobile version