(1)
ذبابة خضراء لحوح تتحرك في البيت بحرية.. تطن.. تحاصر مساحة في الوجه.. العين الأذن.. في جرأة سافرة. كلما تهشها تعود مستمتعة بالمناوشة… حاصرت «محمود عبود».. في الصباحات الندية.. يترك حوش البيت الواسع الطراوة.. ليهرب إلى حجرة تضجره مروحتها، ليهرب من طنينها وأزيزها ومناوشتها المملة له، يحتمل الجو الخانق.. ويقاوم كسل الصباح الرخو فيضطر لفتح النوافذ… فالكهرباء كعادتها «قطعت» وتسللت الذبابة عبر النافذة لتواصل اضجاره.
(2)
شكا لزوجته فزجرته في حسم لا يخلو من لطف مصطنع: لا تشغل بالك بأمر ذبابة صغيرة حقيرة.. أولاده يمرحون.. يعيشون حياتهم العادية لا يهتمون بأمر الذبابة.. في مكتبه بالمصلحة التي يعمل فيها كثيراً ما سرح ببصره يتخيل الذبابة اللعينة.
(3)
أسرّ بمشكلته إلى صديقه الصدوق في العمل «ودالبدوي» فحدثه عن رواية المسخ «لكافكا» والتحول في أفلام «هيتشكوك» والفيافي المسحورة في روايات كتاب أمريكا اللاتينية.. أخيراً لبس «ودالبدوي» جبة الواعظ وقرر: ثمة شرخ نفسي في داخلك.
(4)
انصرف عن «ود البدوي» إلى «علوية النخلاوي» زميلته في المكتب.. حكى لها أمر الذبابة الخضراء اللحوح.. شكا لها من تهوين أسرته لأمرها.. ولا مبالاة أهل بيته في مواجهتها معه.. لكنها عرجت على موضوع «فتش عن الزوجة» وعرضت له نفسها «باللفة كده» أنه يحتاج إلى امرأة تفهمه.. وتناضل معه ضد الذبابة الخضراء اللحوح.. فهي أرملة تعسة وهو يحتاج إلى زوجة تفهمه.
ثرثرت زميلته كثيراً حتى سرح منها ولكنه فجأة انتبه إلى عبارتها يمكن مقاومة الذبابة بأي مبيد حشري.
فرح بالاقتراح وخرج يبحث عن مبيد.
(5)
خرج إلى الشارع يتقافز كأرنب بري سعيد، ولاحت له خيالات الذبابة وهي صرعى تحت تأثير المبيد.
أعطني أقوى مبيد حشري!! قال للبائع، فأعطاه علبة فسأله: ده مبيد حشري تمام! فقال البائع: ومبيد بشري كمان!!.. سأله: ماذا تقصد؟ قال: أقصد أن تبعده عن أيدي الأطفال لأنه يقتلهم إن تسلل إلى الطعام.
واصل طريقه مهموماً من تحذير البائع الذي ضخم المسؤولية فلديه أولاد عفاريت تخصصوا في الإضرار بأنفسهم ليطارد هو المستشفيات مع الأطباء «الترينق».
(6)
محمود عبود لا هم له سوى مطاردة الذبابة ووضع المبيد لها.. استطاع أن يعثر عليها وصب فيها كل المبيد.. تكوم فوقها.. ذهب ليحضر مكنسة يزيح بها المبيد والضحية.. عندما عاد وجد الذبابة الخضراء اللحوح قد التهمت كل المبيد وبدأت تتضخم.. أخذت شكل ليمونة.. ثم برتقالة فبطيخة.. كاد يجن صاح منادياً زوجته وأولاده ليروا هذا الأمر الجلل.. الأولاد لم يأبهوا وقالوا: إنها ذبابة وليس إلا.. يا بابا.. أما زوجته فقد قالت له ببرود: قلت لك مراراً لا تشغل بالك بأمر ذبابة حقيرة.
الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]