تكثر في قضايا الأحوال الشخصية
محامٍ.. التشريعات السودانية قامت بمنعها وجعلتها جريمة يعاقب عليها القانون بنص المادة (104)
محامٍ يقول: الزور من الجرائم المتفشية في المجتمع السوداني وتتزايد يوماً عن الآخر
محامون ينفون الاتهام بضلوعهم في هذه الجريمة لكسب قضاياهم واعتبروه اتهاماً بلا سند
تحقيق ـ هبة محمود
غابت ضمائرهم وفسدت عقولهم .. يتلاعبون بالقانون ويبيعون ذممهم .. مهمتهم تغيير سير العدالة والعيش في الخفاء .. يعشقون الكذب ويتنفسونه، إنهم دون شك (شهود الزور)، فئة ارتضت لنفسها تعهد الكذب لقول الحقيقة دون الالتفات لخطورة هذه الجريمة وأضرارها على الأفراد والمجتمعات ودون الالتفات لقوله تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283).
رغم تأكيد قانونيين على عدم انتشار ظاهرة شهود الزور في السودان إلا من خلال حالات فردية لكنَّ بعضاً منهم أقر بوجودها وانتشارها في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية، فيلجأ أصحاب الحجة الضعيفة للجوء لشاهد زور يتحايلون به على القانون. (المجهر) وقفت على هذه الجريمة من خلال قضايا وثقت لها وسائل الإعلام في وقت سابق، واستطلعت بعض القانونيين في سياق التحقيق التالي.
شهود عند الطلب
لعل ما صاغته المباحث الجنائية العام الماضي في قضية قتيل الدمازين كان عين الحقيقة لوجود شهود زور يعيشون ويتعايشون بيننا، فقد أكد المحامي المعروف “صديق كدودة” الذي مثل شاهداً في القضية آنذاك صدق رواية المباحث، حيث أشار في وقت سابق إلى حضور اثنين من المتهمين لمكتبه يدعون أنهم شهود عيان على جريمة القتل، وأنهم شاهدوا رجلاً يمتطي دراجة بخارية قام بطعن القتيل وتعرفوا عليه، وطلبوا منه الدفاع عن المتهم الذي سيشنق ظلماً.
“كدودة” أكد أن درجة إقناع المتهمين العالية جعلته يطلب منهم رفع عريضة للمدعي العام يحددون خلالها البينة الجديدة، إلا أنهم لم يعودوا ليعلم بعدها أنهم من معتادي جرائم شهادة الزور يمارسان نشاطهما بسوق ليبيا وتم استئجارهما من قريب المحكوم بالإعدام الذي رسم لهما الخطة الكاملة بإرشادهم على أحد مواطني القرية وتوريطه في جريمة قتل. وقضية “مريم محمد صالح” الشهيرة بـ”حليمة بشير” ليست ببعيدة عن محور الحديث إن لم تكن جزءاً أصيلاً منه في جرائم شهادة الزور.
شاهدة زور عالمية
كانت “حليمة بشير” أحد الشهود الأساسيين الذين اعتمدتهم المحكمة الجنائية الدولية في إدعائها لجرائم الحرب والاغتصاب في دارفور، فقد التقت بالرئيس الأمريكي “بوش” عام 2009م ودشن كتابها “دموع في الصحراء” والذي سردت خلاله تجربتها مع الحرب والاغتصاب بالاشتراك مع الكاتب الصحفي”دايان لويس”، ولكن ثمة تطورات جديدة ومثيرة في ملف قضيتها قد ينسف ادعاءها بعد أن رفضت محكمة الهجرة البريطانية قبول طلب تقدمت به لطلب اللجوء السياسي، استناداً إلى أن المدعية تمارس عملاً في بريطانيا في حين أن القانون البريطاني ينص على أنه لا يحق لطالبي اللجوء السياسي ممارسة أي مهنة بحكم أنها تقدم لهم دعماً مالياً إلى حين منحهم اللجوء. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد اكتشفت المحكمة أن المبلغ المودع في حسابها ـ أي “حليمة” ـ قدر بـ(150) ألف جنيه إسترليني وهو ما اعتبرته جريمة احتيال حسب القانون البريطاني، هذا بجانب شهادة طليقها الذي أكد أنها لم تقم في دارفور منذ نشأتها.
واحدة من الكبائر
رغم مآلات شهادة الزور وعواقبها وانتشارها في كل المجتمعات، إلا أن المحامي “معاوية خضر الأمين” اعتبر حدوثها نادراً داخل المجتمعات الإسلامية، مشيراً إلى ظهور حالات داخل السودان ولكنها لا تعد ظاهرة بحد قوله وإنما حالات فردية.
ونبه “معاوية” في حديثه لـ(المجهر) لخطورة هذه الجريمة لما تهدره من الحقوق والأرواح، وإحداثها خلل للمجتمع وهز أركانه لاسيما أنها تشيع ضعف الإيمان بين الناس، حيث اعتبرها من الكبائر التي جاء تحريمها بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، مشيراً إلى أن التشريعات السودانية قامت بمنعها وجعلتها جريمة يعاقب عليها القانون بنص المادة (104) من القانون الجنائي السوداني التي تنص على أن من يشهد زوراً ويدلي بأقوال كاذبة وهو يعلم ذلك، أو يكتم أثناء الشهادة كل أو بعض ما يعلمه من وقائع في الدعوى بصورة تؤثر على الحكم فيها يعتبر مرتكباً لجريمة شهادة الزور، إذا ترتب على الإدلاء في شهادة الزور تنفيذ حكم على المشهود ضده يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة للجريمة التي تم تنفيذها.
وفي سياق آخر فند الأستاذ “معاوية” اتهام المحامين بضلوعهم في هذه الجريمة والآتيان بشهود زور لكسب قضاياهم، واعتبره اتهاماً بلا سند أو دليلاً لأن المحامين بحد قوله قضاة ولا يمكن لمحامي الاستعانة بهم ـ أي شهود الزورـ في حلحلة قضاياهم.
في القضايا الأسرية
وعلى النقيض تماماً اعتبر المحامي “تبن عبد الله” جرائم شهادة الزور من الجرائم المتفشية في المجتمع السوداني وتتزايد يوماً عن الآخر، مشيراً في حديثه لـ(المجهر) إلى أن الظروف الاقتصادية ساعدت من تنامي هذه الظاهرة، ونادى بإيقافها والحد من انتشارها حتى لا تخل بسير العدالة. وقال: يعاقب من يرتكب جريمة الإدلاء بشهادة أو اختلاق البينة بالسجن مدة لا تتجاوز الخمسة أعوام أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
أما المحامي “المعتصم الحاج أحمد” فيرى أن شهود الزور كظاهرة تكثر في قضايا الأحوال الشخصية كقضايا الشرف وخلافه، مشيراً إلى ضرورة جاهزية النيابة والشرطة لاستخلاص كل الحقائق حتى لا يحدث إخلال بسير العدالة ووصف الجريمة بالسلوك الفردي. وقال: هناك أبرياء بسبب شهادة الزور ولكني اعتقد أن هناك نوع آخر منها ودوماً ما تكون في القضايا الأسرية، كأن يقوم شخص من العائلة أو القبيلة بحمل قضية بعينها ليحمي الأسرة أو القبيلة، وهذه الظاهرة موجودة في مختلف بقاع السودان. وأضاف: يجب معاقبة شاهد الزور حال اكتشافه حتى نستطيع التخلص من هذه الجريمة شيئاً فشيئاً.
من جانبه وصف المحامي “شاكر قرشي قاسم” شاهد الزور بالإنسان الخرب النية، مؤكداً أنه يعمل على تضليل سير العدالة من أجل تصفية أحقاده وضغائنه مع الآخرين، لافتاً إلى عدم انتشار الظاهرة داخل ولاية نهر النيل(عطبرة) إلا من حالة أو اثنتين، مشدداً على ضرورة توخي الحذر في القضايا التي يحدث بها تناقض في الأقوال لأن القانون أعمى بحد قوله.
في مختلف الجنسيات والأديان
شهود الزور آفة فساد لا تنحصر على مجتمع بعينه بل في كل المجتمعات نجدها وبمختلف الجنسيات والأديان، وهناك سابقة عالمية فقد مكثت سيدة في أواخر عقدها الخامس بالسجن “17” عاماً بتهمة القتل بسبب شهادة زور، وذكرت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية أن قاضياً أمر بالإفراج عنها بعد أن أدينت بطريق الخطأ على أساس شهادة امرأة عرف عنها بأنها اعتادت الكذب، وأسقط القاضي القضية ضد “سوزان ميلين” التي أدينت في عام 1998م بقتل زوجها بناءً على طلب ممثلي الإدعاء في مقاطعة “لوس أنجلوس”، بعد أن أثبت تحقيق أجراه مدعي محلي وجود مشكلات كبيرة في مصداقية شاهدة الادعاء الرئيسية في المحكمة، “وكاش ديلانو” سجين زنجي بقي خلف الأسوار لمدة (34) عاماً بسبب شهادة زور، فقد دخل السجن وعمره (19) عاماً وخرج منه وهو في الثالثة والخمسين من عمره.
المجهر السياسي