أوراق من دفتر السياسة في العيد
د. “مصطفى عثمان”: المهام الصعبة في جبهة التفاوض مع الحركة الشعبية
بارا – أم درمان حلم تبدد؟؟ أم طريق وقف وما زاد
جاء في الأخبار أن المبعوث الأفريقي الأممي “ثامبيو أمبيكي” في طريقه للخرطوم الأسبوع القادم لتحريك جمود المفاوضات بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال، بعد توقف منذ فبراير الماضي حينما ودع البروفيسور “إبراهيم غندور” المفاوضين الحكوميين قبل المفاوضين المتمردين وأعضاء فريق الوساطة الأممي، بذريعة أن موعد الانتخابات قد أزف وأن الحكومة تشغلها عن المفاوضات شرعيتها التي كانت في مهب الريح. وغادر “غندور” “أديس أبابا” وردهات فندق (بلوردسون) مغادرة نهائية وهو يعلم أكثر من غيره أن ما بعد الانتخابات ستشهد الساحة الداخلية تغييرات كبيرة قد ترتقي به لموقع آخر. وقد أصبح “غندور” (لاعباً) رئيساً في فريق المشير “عمر البشير” بعد مغادرة كل من “علي عثمان” و”نافع علي نافع” لواجهة الجهاز التنفيذي. وقد عطل المبعوث “أمبيكي” المفاوضات نزولاً للأمر الواقع، فالحركة الشعبية انصرفت لصد عمليات الصيف الحاسم والحكومة لانتخاباتها. وقبل مغادرة البروفيسور “إبراهيم غندور” مقر المفاوضات كان اختراق ضئيل قد حدث في المفاوضات وتم الاتفاق على جدول التفاوض ومرجعياته، إلا أن الحركة الشعبية قد طرحت رؤية الحكم الذاتي مما أثار غضب المفاوض الحكومي، ولكن اثنين من أعضاء الوفد الحكومي تقدما باستقالات من الفريق الحكومي احتجاجاً على طريقة التعامل مع ملف المنطقتين وعدم الجدية. وإذا كان “منير شيخ الدين” رئيس الحزب القومي الديمقراطي قد استقال جهراً وكال التهم للمؤتمر الوطني بعدم الجدية، فإن د. “عمر سليمان آدم” الرئيس المناوب لرئيس الوفد الحكومي قد تقدم باستقالته، ولكن في أضابير الصمت وآثر الانسحاب من الجولة الأخيرة وعدم الجهر بأسباب استقالته. والآن اتفقت قيادة المؤتمر الوطني على تجديد الدماء في الوفد الحكومي وأيلولة ملف المفاوضات إلى الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” الذي خرج من التشكيل الوزاري الأخير لأسباب قدرها المؤتمر الوطني في ذلك الوقت، بيد أن فاعلية “مصطفى عثمان” خارج دائرة مجلس الوزراء ظلت شاخصة وله تجربة في مجلس الصداقة الشعبية العالمية.. وكيف صنع د. “مصطفى” من كيان ظل لوزارة الخارجية لمجلس له فاعلية في ملف العلاقات الخارجية، وارتقى د.”مصطفى” من أمين عام لمجلس الصداقة الشعبية لوزير دولة بالخارجية، ثم وزير خارجية ويعتبر حتى الآن من أكثر وزراء الخارجية نجاحاً منذ الاستقلال وحتى اليوم .. وتعرض السودان في فترة د. “مصطفى عثمان” لهجمات غربية عديدة (صدها) “مصطفى عثمان” برفق وروية.. وحقق الرجل نجاحاً في ملف التفاوض مع متمردي جبهة الشرق التي كانت تهدد ميناء بور تسودان وتتوعد شريان حياة السودان الطريق القومي كسلا بور تسودان بالاحتلال. وحصل “مصطفى عثمان” بعلاقاته العربية على الراعي الكويتي لاتفاقية الشرق الشيء الذي جعلها الآن تمثل نموذجاً يحتذى. وقد جنبت الاتفاقية السودان شروراً كثيرة. ولكن ملف التفاوض مع الحركة الشعبية أكثر تعقيداً من الملفات الأخرى .. وقد تباعدت شقة الخلافات وتصاعدت العمليات العسكرية وسالت الدماء.. وبدأت حركة التمرد في المنطقتين ترتبط بالجنوب والغرب. .وهي تقدم نفسها كحركة تمثل جبال النوبة والنيل الأزرق. واستطاع “ياسر عرمان” تكوين الجبهة الثورية كتحالف عريض يضم الحركات التي تحمل السلاح .. وتباعدت المسافات بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال بعد رفض المؤتمر الوطني لاتفاق (نافع عقار). ولم يبد بروفيسور “غندور” طوال فترة تولي الملف رغبة في إحياء الاتفاق (الميت) وظل يردد (لن نكرر أخطاء نيفاشا ليجعل من اتفاقية نيفاشا خطيئة الإنقاذ الكبرى، واتفاق نافع عقار (خطيئة الأخير) الصغرى.. ولكن قبل أن يمسك “مصطفى عثمان” بملف التفاوض فإن السؤال الذي يسأل عنه (الدنقلاوي) (المكير) هل تستطيع الحكومة اتخاذ قرار في أجهزتها بالمضي قدماً نحو تحقيق السلام مع متمردي الحركة الشعبية؟؟ وهل يتم التوقيع على اتفاق مع الحركة الشعبية؟؟؟ أم مع الجبهة الثورية؟؟ وإذا حصل “مصطفى عثمان” على قرار من الرئيس وتوجيهات بالمضي قدماً نحو تحقيق السلام ووقف الحرب تصبح مسألة (المساومات) (مقدور عليها)، وقد خبر الرجل أي “مصطفى عثمان” دروب التفاوض ومنعرجات السياسة.. ويملك “مصطفى عثمان” رصيداً من العلاقات مع العرب والأفارقة لجذب رعاة وممولين لاتفاقية السلام التي ينتظرها الشعب السوداني، ولا ترغب فيها بعض قيادات المؤتمر الوطني التي تعلو مصالحها على مصالح الشعب السوداني الذي شقي بالحرب الحالية كما لم يشق من قبل .
تبدد الحلم!
حينما رفع والي شمال كردفان مولانا “أحمد محمد هارون” شعار (موية طريق مستشفى النهضة خبار الشعب) ساد اعتقاد وسط الكردفانيين بأن ابنهم “هارون” قد حصل على ضمانات كافية من المركز لتشييد طريق بارا أم درمان البالغ طوله (338) كلم .. والطريق يختزل المسافة الحالية (640) كلم إلى أقل من أربعمائة كيلو متر.. ويوفر برميلين من الجازولين للعربة الجرار التي تتجه من الخرطوم الآن للأبيض .. وتصبح المسافة بين الأبيض وأم درمان حوالي الثلاث ساعات ونصف الساعة ويدخر الطريق سنوياً ما لا يقل عن (مليار دولار) يبدد الآن في الطريق من الخرطوم إلى كوستي والأبيض. وكان النائب الأول “علي عثمان محمد طه” أيام مجده ونفوذه وسطوته وكلمته (المسموعة) في منظومة الحكم، قد أعلن في مدينة بارا في أثناء الفترة الانتقالية وحينها كانت عائدات البترول الشهرية بمليارات الدولارات وتنفق الحكومة ببذخ على المشروعات غير ذات الأهمية وتعهد بالبدء في الطريق فوراً .. لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق .. ليدفع مواطنو كردفان وشمالها بصفة خاصة من جيوبهم الخاوية المال من أجل مشروع النهضة الذي يقف عليه سائقو طريق بارا أم درمان .. وذهبت آليات مشروع درء الجفاف والتصحر لشق كثبان الرمال بين بارا و(جريجخ). ولأن “هارون” كان يثق جداً في الحكومة المركزية جاء الفريق “بكري حسن صالح” النائب الأول للرئيس وصعد على (كراكة) إعلاناً لبدء العمل في الطريق بإمكانيات الدولة الذاتية بعد أن تعثر إقناع الحكومة الصينية(بنقل) القرض الصيني من الطريق الذي كان ينتظر تشييده بين جنوب السودان وشماله، وقرض الطريق الدائري بجنوب كردفان الذي توقف العمل فيه بسبب الحرب إلى طريق بارا أم درمان. وحينما ذهب “عبد الرحمن ضرار” وزير الدولة بالمالية في الشتاء الماضي للتفاوض مع الصينيين بشأن الديون والمشروعات المتعثرة، وضع “عبد الرحمن ضرار” مطار الخرطوم الجديد كأولوية على طريق بارا أم درمان .. وتبدت خيبة الأمل في أوساط العالمين ببواطن الأمور بأن الطريق لن يكتمل في السنوات القادمة ولم تضعه الحكومة في أولوياتها. وفي مناخ عجز الميزانية وعدم مقدرة الحكومة على الصرف توقف الطريق قبل أن يبدأ .. مثلما توقف العمل في محطة كهرباء الفولة التي ينتظر أن تحل نصف مشاكل السودان من الكهرباء.. حيث يتم الاستفادة من الطاقة (المهدرة) من الغاز الذي بغرب كردفان لإنتاج الكهرباء.. وفي ذات الوقت تقليل المخاطر البيئية على الإنسان والحيوان جراء التخلص من الغاز الطبيعي بطرق بدائية عفا عليها الزمن!
أدرج مولانا “هارون” طريق بارا أم درمان في برنامج الرئيس الانتخابي، ولكن حتى الآن تبدو الرياح تهب في غير صالح الطريق المتعثر.. وقد طاف مولانا “أحمد هارون” في صمت قبل العيد على المغتربين في قطر والسعودية ولكن المال الذي يستقطب من (الشعبيين) في الداخل والخارج ليس بمقدوره النهوض بمشروعات مثل الطرق والمياه والكهرباء.. وقد أمسكت المالية الاتحادية يدها من التنمية في كل الولايات .. فكيف لا يتوقف طريق بارا أم درمان ويتبدد الحلم ويتلاشى.
من هو مستشار الرئيس
غادر “محمد حاتم سليمان” منصب المستشار الصحافي لرئيس الجمهورية سريعاً ولم يمكث إلا شهوراً محدودة .. حاول بجهد أن يجسر العلاقة بين الصحافة ومؤسسات الرئاسة.. ونفذ “محمد حاتم سليمان” حملة الرئيس الانتخابية بعقل وذهن مفتوح.. ولكن منصب المستشار الصحافي للرئيس أصبح (مسحوراً). ومنذ مغادرة “محجوب فضل بدري” للقصر لم يتم تعيين مستشار وظل الأستاذ “عماد سيد أحمد” يقوم بمهام مدير المكتب الصحافي للرئيس حتى تم إعفاء “عماد” بقرار جهير وعين “حاتم” مستشاراً صحافياً بترفيع المنصب .. ولكن فجأة انتقل “محمد حاتم سليمان” من مستشار للرئيس ليصبح نائباً لرئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم.. ويغادر “عماد سيد أحمد” إلى منصب الملحق الإعلامي بسفارة السودان في أبو ظبي .. ولا حديث الآن عن المستشار الجديد إلا أن كل المؤشرات تقول بأن قراراً وشيك سيصدر بتعيين المستشار القادم، وتتردد في أوساط صناع القرار عدة أسماء لتولي منصب المستشار بعضها من داخل الوسط الإعلامي وأخرى من الخارج .. وقد طرحت أسماء “الطاهر حسن التوم” و”محمد حامد تبيدي” ود. “أمين حسن عمر” والأستاذ “جمال الدين شريف” و”الفاتح السيد” ود. “محمد محجوب هارون” الأستاذ الجامعي. ولكن منصب المستشار يخضع أولاً للتوافق بينه والقيادة العليا في الدولة والقدرة على العطاء.. والتواصل مع الصحافيين والنفوذ وسط الإعلاميين .. والالتزام التنظيمي الصارم. وتبدو الحاجة أكثر إلحاحاً الآن لاختيار المستشار الصحافي الجديد، والبلاد تواجه مرحلة الحوار الوطني الذي يقوده الرئيس شخصياً إضافة إلى الانفتاح الواسع لعلاقات السودان بالعرب والأفارقة.