مطالبات وزارة الموارد المائية والري والكهرباء الخاصة بزيادة أسعار تعرفة الكهرباء باعتبارها تباع بأقل من تكلفتها، وأن الدولة تتكفل بسداد الفرق بين السعرين؛ أعادت إنتاج الجدل فيما يتصل بمفهوم وفلسلفة الدعم الحكومي المرتبط بأسعار الخدمات المقدمة للمواطنين. وفي وقتٍ تعتبر وضعية الدعم بمثابة هاجس للحكومة فإنها تؤرق المواطن كذلك لما سيترتب عليها من حمولات قد تقع على عاتقه.
تجنب الاقتراب
نتيجة لتراكم السنوات فإن الدعم الحكومي للسلع يختلف من دولة لأخرى ورغم إرهاقه للميزانية العامة بات ينظر إليه باعتباره أحد الحقوق بالنسبة للمواطنين حيث يؤدي تقليصه أو إلغاؤه لحدوث اضطرابات سياسية وهزات اجتماعية وفي أحيان عديدة تضطر الحكومات والأنظمة الحاكمة للاستمرار فيه على الرغم من إرهاقه للخزينة العامة وتحملها أعباء كبيرة وهو ما جعل في أحيان عديدة الدعم الحكومي أشبه بـ(التابوهات) التي تتجنب الحكومات الاقتراب منها.
أنواع الدعومات
يعرف موقع (ويكبيديا) على شبكة الانترنت الدعم الحكومي بأنه (إمدادات مادية تقدّم من الحكومة لتخفيض أسعار السلع إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن) ففي حالة الدعم لصالح الصناعة فإن الهدف من ذلك الدعم هو تنمية تلك الصناعة أو جعلها ذات تنافسية أعلى في الأسواق العالمية، ومن أشكال دعم الصناعات: خطط الإعفاء من الضرائب، منح تخفيضات على أسعار المواد الخام، تقديم محفزات مادية للمستهلك لشراء منتوجات الصناعة (كما في خطط تحفيز قطاع الطاقات المتجددة).
بالنسبة لدعم المواطن فيكون من خلال تخفيض أسعار بعض السلع بتحمل الحكومة لجزء من أسعار استيراد أو إنتاج تلك السلع الأساسية كالسكر والأرز، مع وجود نوع ثان كدعم الماء والكهرباء بتحمل الحكومة لحاصل الفرق بين التكلفة الحقيقية لإنتاج وتوزيع المياه والكهرباء التي يستهلكها الفرد وبين المبلغ الفعلي المدفوع نظير الاستهلاك.
وتتفاوت نسب الدعم المقدم حسب المنطقة، ففي الدول العربية يشكل الدعم حوالي نحو 5,7% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة تفوق بكثير المعدل الموجود في بقية الدول النامية والذي يبلغ نحو 1,3% فقط.
تحرير مدعوم
أفضت سياسة التحرير الاقتصادي التي انتهجت في بالسودان منذ تسعينيات القرن الماضي لتقليص الدعم الحكومي الرسمي على العديد من السلع والخدمات التي كان يقدم بعضها مجاناً كالتعليم والصحة والسلع التموينية الأساسية والوقود، لكن بالرغم من ذلك التحرير فإن الحكومة حافظت على مقدار نسبي من الدعم حيال عدد من السلع على رأسها المشتقات البترولية والقمح بجانب استخدامها لسلطاتها التنفيذية في كبح جماح شركات الكهرباء للحيلولة دون زيادتها للتعريفة وتثبيتها منذ العام 2009م.
نجد أن الميزانية السنوية الاتحادية تحتوي على بند ثابت مخصص لتوفير الدعم للسلع الاستراتيجية المتمثلة حالياً في المشتقات البترولية والقمح إلا أن الدعم الحكومي حيال هاتين السلعتين ظل مثار استفسارات، الأولى مرتبطة بالمشتقات البترولية حيث تسارع الحكومة برفع أسعارها فور حدوث قفزات للأعلى بالسوق العالمية مع الاحتفاظ والحفاظ على ذات أسعارها بمجرد تعرضها للانخفاض كما حدث مؤخراً للمشتقات النفطية حيث قام عدد من الدول بخفض قيمتها بالتزامن مع الهبوط بأسعارها.
أما الدعم الخاص بالقمح فيتم عبر منح الجهات المستوردة له الدولار بالسعر الرسمي بغض النظر عن سعر السوق وهو ما يعني عملياً تحمل الخزينة العامة للفرق ما بين السعرين ولعل هذا الأمر هو ما دفع البنك المركزي مؤخراً قبل عدة أشهر لرفع سعر دولار استيراد القمح من 2.9 جنيهه لحوالي 4.5 جنيه وهو ما جعله عملياً يعادل بعد الزيادة حوالي 50% من قيمة سعر الدولار مقارنة بالجنيه بالسوق الموازي.
مبررات الأطراف
نجد أن الحكومة تعتبر لجوءها لقرارات رفع الدعم بقصد تقليل الأعباء والضغوط على الميزانية وتقليل العجز الناتج منها بسبب الكلفة العالية لتحملها الفرق بين الأسعار المدفوعة من قبل المواطنين والسعر الحقيقي للسلع بجانب استفادة قطاعات مستطيعة من ذلك الدعم على الرغم من مقدرتها على دفع الثمن الحقيقي لتلك السلعة بجانب مساعدة الدعم في تنمية النمط الاستهلاكي لدى المواطنين، وتعتبر ذلك الإجراء ضرورياً لاستعادة عافية الاقتصاد باعتبار أن تلك الفروقات ستذهب لمصلحة المشاريع والقطاعات الإنتاجية.
بالنسبة للمواطنين فإن سيناريو اللجوء لرفع الدعم يبدو بالنسبة إليهم بمثابة زيادة في معاناتهم حال قورنت الزيادات ومداخيلهم. فيما يظهر التحفظ الأكبر في مصائر الأموال التي كانت تخصص للدعم حيث يرى الأهالي أن توجيهها نواحي الصرف على الجهاز الاداري للدولة بمستوياتها الاتحادية والولائية والمحلية سبباً في فقدهم للدعم ابتداء وفي معاناتهم لاحقاً.
تقرير: ماهر أبوجوخ
صحيفة الصيحة