إلى الملاذ الآمن تداعى الإسلاميون أمس (الجمعة) إلى مسجد جامعة الخرطوم يبتغون توحيد الصف بعد أكثر من (16) عاماً من الفراق والمفاصلة، أشواقهم سبقت خطاهم وأحلامهم في السجود دعوات لله أن يفرج عن البلاد أزمتها ويحل مشاكلها، من حولهم الظلمات موج من فوقه موج وسفينتهم تمضي وسط عقبات إلى مرساها.
القيادات الوسيطة من المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل ومن المنتظرين تعانقوا من دون أي توجيه تنظيمي بإعلان الوحدة بينهم، لكنهم تفاكروا في داخل المسجد من دون تحفظ في خطوتهم القادمة وسط ترقب وحذر، وتفاؤل وأمل، والكل معهم يترقب مرة أخرى ويتساءل كيف سيكون مشروعهم السياسي القادم؟
عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً صعد الإمام “محمد فرح” – ابن جامعة الخرطوم وأحد قيادات الإسلاميين فيها – إلى المنبر، ألقى بالتحية على المصلين وتفرس في الوجوه الجديدة التي جاءت إلى المسجد، عندها اهتزت المشاعر وتداعت الذكريات إلى المسجد وساحته، وله مع الإسلاميين قصة وحكاية وتاريخ.
يقول خطيب (الجمعة) في مسجد جامعة الخرطوم “محمد فرح”: هذا القرآن تنزيل مستمر بتعدد وتنوع وتغير الأحداث في حياتنا ولذلك نحتاج إلى أن ندخل إلى هذا القرآن الكريم من دلالة الأحرف والكلمات والآيات والسور والسياق، ونربط هذه الآيات مع بعضها البعض ونربطها بحياتنا الواقعية، ونستمع إلى قول الله سبحانه وتعالى منصتين حتى نهتدي إلى الصراط المستقيم. ونتلو بعد فاتحة الكتاب يحدثنا القرآن الكريم عن المعنى الأساسي الذي يشترك فيه كل من هم ينتمون إلى الإنسانية والذين هم من بني آدم عليه السلام ويرتبط بهذه الأرض ألا وهو معنى الخلافة، وكيف أن القرآن الكريم قدم لنا هذا الموضوع في سورته الأولى بخطاب من المولى عز وجل (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). وتناول الإمام “محمد فرح” معنى الخلافة ودور الإنسان في إعمار الأرض وربط تلك القيم بالمساعي الجادة لتوحيد الإسلاميين في السودان. ودعا الإمام “محمد” إلى إعلاء مفهوم العالمية في الدعوة والتعاون بين كل المسلمين في الأرض. وأضاف بالقول لم يطلب الرب عز وجل من الملائكة السجود لهذا الخليفة في الأرض بل طلب منهم دعمه ومؤازرته ويؤيدوه ويناصروه بعد أن علم آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر.
ويشرح الإمام “محمد فرح” الآيات القرآنية وهو يربطها بالواقع، هذه الخلافة لكل من له صلة بالإنسانية وليست لفئة دون أخرى، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ)، ولكن الخلفاء يختلفون فمنهم من يجعل برنامجه في هذه الأرض فساداً ممتداً ومتنوعاً ومتجدداً في الأرض وهو لا يشعر، وبعض الخلفاء يقومون بواجب الخلافة والرسالة ويأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. وبين ذلك الذي لا يشعر بأنه يفسد في الأرض وبين ذلك الذي يقود إلى أعمال الصالحات ليحاسبهم على ما أتاهم وعلى ما علمهم وتسخيراً للسموات والأرض وما فيها، فمن الناس من يعي عهد الله بعد أن جعله الله خليفة في الأرض فيقوم بأعمال صالحات ومنهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ). وتناول الإمام “محمد فرح” الآيات من سورة البقرة بالشرح حول ضرورة عودة الناس إلى الله. وقال: إن الخلافة في الأرض تقتضي ذلك، عودة آمنة مطمئنة.
وفي ربط دقيق ولطيف بين الآيتين (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، والآية الأخرى (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى). تناول الإمام “محمد فرح” مسيرة الإنسان في الحياة منذ خلقه وحتى وفاته. وقال هنالك من يريد أن يعود لله سبحانه وتعالى سالماً آمناً مطمئناً يتبوأ من الجنة حيث يشاء وينجو من نار جهنم، ومنا من يريد أن يعود لله سبحانه وتعالى عبر نار جهنم حتى يعلم في النار أنه لا إله إلا الله.. من الناس من يختار طريقاً سهلاً ومن الناس من يختار طريق العذاب.
وأشار الإمام إلى أن كل الخلفاء من بني آدم ينتمون إلى جماعات حسب الأماكن والأزمان، وكلما تجمعوا كونوا بما يعرف بالمصطلح القرآني (أمة) من أمة “نوح” عليه السلام وحتى أمة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكل أمة رسالة وإمام وإسهام في الأرض.
وقال على قدر الرسالة الموكلة إلى الأمة من عند الله سبحانه وتعالى والبرنامج الواضح المفصل بينه ويظهره وينزله إمامهم وعلى حسب ذلك تكون مساهمتهم في الأرض، فإذا كانوا متجانسين متبعين لإمامهم ولقيادتهم فإنهم يستطيعون أن يعمروا هذه الأرض، وإن كانوا في شقاق مع هذا الإمام فلن يعوا الرسالة ولن ينفذوا ما يوكل إليهم حتى يضيعوا الأمر ويحل عليهم سخط وغضب من الله.
كما تناول الإمام توحيد الأمم والرسل وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. وأشار إلى أن القواعد تؤمن بما أنزل إليها لتقوم بمهمتها في إعمار الأرض.
التيارات الإسلامية والقبلة الواحدة
تناول الإمام “محمد فرح” بالشرح الآيات القرآنية من سورة البقرة حول التحول إلى قبلة المسلمين في مكة المكرمة وربطها بالواقع في السودان من خلال الإشارات اللطيفة، إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليضيع إيمانكم من خلال الترتيبات التنظيمية التي قامت بها الحركة الإسلامية قبل انقسامها. وأشار إلى أن تحول القبلة للتوحيد استلهاماً من أن المؤمنين لا يريدون من حظوظ النصر أو الهزيمة إلا رضاء الله. وأشار إلى أن الكعبة المشرفة لكل الناس تنبذ من خلالها الطائفية والجهوية والقبلية للدلالة على العالمية، وارتباط الرسالة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين ولكل الناس. وقال (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا)، مشيراً إلى المسارات المتعددة للتيارات الإسلامية في السودان وخارجه، وأنها تلتقي بعد ذلك عند الله وفي اتجاه القبلة الواحدة على الرغم من المسار المختلف لكل واحد منهم.
المؤتمر الشعبي: وحدة الإسلاميين قريبة
وعقب أداء صلاة (الجمعة) تعانقت قيادات الإسلاميين من التيارات المختلفة بعد أكثر من (16) عاماً داخل مسجد جامعة الخرطوم، واسترجعت الذكريات حول الدور الذي كان يقوم به والرمزية التي يمثلها المسجد. وقال عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي “محمد العالم” لـ(المجهر) أمس (الجمعة): هذه خطوة تصب في اتجاه وحدة قريبة للإسلاميين وعودة للصف المسلم وتجاوز كل المحطات المؤلمة واستلهام العبر من السابق، والمفاصلة وقعت في الصف القيادي الأعلى والمفاصلة في القيادات الوسيطة لم تكن بصورة كبيرة، والآن حدثت مراجعات كبيرة وهي من شأنها ستؤدي إلى وحدة قريبة إن شاء الله.
من جانبه قال أمين أمانة المنظمات بالمؤتمر الشعبي السابق “عمار باشري”: عودة الإسلاميين إلى مسجد جامعة الخرطوم أمر طبيعي ومحمود وإن تأخر كثيراً، وهذا المسجد ظل هو المحضن والقبلة التي خرجت الدعاة والمجاهدين والشهداء وقيادات الدولة وخرجت كل الذين يقودون التيارات الإسلامية المختلفة من كل الأحزاب، وهي كلها خرجت من رحم مسجد جامعة الخرطوم، وهو جدير بأن يكون نقطة الانطلاق التي تمثل الحد الأدنى من التلاقي في الأفكار والقناعات باعتباره دعوة لله سبحانه وتعالى، بعيداً عن حفظ النفس ومماحكات الدنيا. واعتقد أن كل قيادات الإسلاميين حتى الذين لم يدرسوا في جامعة الخرطوم لديهم عشق وذكريات ولديهم تاريخ مع هذا المسجد. وعندما اعتلى الإمام المسجد وأخذ يخطب مرت بذاكرتي أعداد من الشهداء الذين مروا على المنبر، الشهيد “عبيد ختم” والشهيد “محمد أحمد حاج نور” والشهيد علي عبد الفتاح”، وتذكرت في فسحة هذا المسجد استنفار المجاهدين لمناطق القتال ولقاءاتهم في الحملات الانتخابية، وكان هذا المسجد مرتكزاً لكل الجامعات السودانية.
ويقول رئيس تيار خطى الصادقين لتوحيد أهل القبلة من المؤتمر الوطني “حسام محمد”: نسأل الله أن يوحد صف الأمة المسلمة في هذه البلاد وفي كل البلاد الإسلامية، ويود الإخوان في هذا المسجد إحياء ذكريات طيبة في نفوس وذكرنا برجال مضوا تحسبهم شهداء ولا نذكيهم على الله ونسأل الله أن يقبلهم ويديم على البلاد نعمة الأمن والسلام، وهذه (الجمعة) ستكون بداية لعمل طيب خيره يعم على أهل السودان ومن جاورهم.
ويقول “قسم عبد الله” من المؤتمر الشعبي محلية كرري: رأيت أملاً كبيراً في مسجد جامعة الخرطوم واستشرفنا مستقبل وحركة الإسلام بعد تناسي الإخوان للمرارات، والحمد لله بهذا اليوم نقول إن وحدة الأمة الإسلامية كلها ممكنة.
ويقول رئيس تيار إسناد الحوار “عمار السجاد” للصحفيين: إن الاستجابة من قواعد الإسلاميين لنداء التوحيد وأداء صلاة (الجمعة) في مسجد جامعة الخرطوم كانت بصورة عالية، وامتلأ المسجد بالمصلين حتى فاض من داخله. وأشار إلى أن الهدف هو حشد قواعد الإسلاميين في المسجد من دون تنظيم برنامج بغرض اختيار الواقع الأسفيري عبر مجموعات الواتساب للإسلاميين وتنفيذها على أرض الواقع. وأشار “السجاد” إلى أن الثقة مازالت مفقودة وهنالك شكوك حول كيفية توحيد الإسلاميين. وأضاف هذه الشكوك من قبل الجهات التنظيمية العليا لأن اللجنة المنظمة لم تطلق يدنا في تنفيذ البرنامج. كان تقديرنا أن يصلي الشيخ “الصافي نور الدين” في (الجمعة) الأولى مع تعليق سياسي عقب الصلاة، ولكن وجدنا أن ذلك أكبر على لجنة المسجد. وأضاف “السجاد” بالقول: هذا اختيار لقوة القواعد لنفكر في التخطيط المستقبلي للبرامج القادمة، ونريد أن نتأكد من قدراتنا وأن نحول تواصلنا من الأسفير إلى الواقع، والاستجابة نفذت بنسبة (100%) لم يكن عدد المصلين يتجاوز الصفين ولكن الآن المسجد امتلأ، ونريد أن نجعل هذا المسجد ومنبره حراً مفتوحاً ونحن وبرنامجنا الحوار والانتقال إلى الحكم الراشد الكامل من خلال توحيد صف الحركة الإسلامية.
وأكد “السجاد” أن حشد الإسلاميين خلال المرحلة المقبلة يهدف للضغط على الحكومة والأحزاب والحركات المسلحة للدخول في عملية الحوار، ويمضي إلى نهايته ويستمر بنتائجه. وأضاف “السجاد”: شعور لا يوصف بلقاء الإسلاميين في المسجد وتبادلهم المشاعر عقب صلاة (الجمعة) وتفاكرهم حول المستقبل القادم.
ويقول رئيس كتلة سلام دارفور من قبل الحركات في البرلمان الأسبق “محمد عبد الله ود أبوك” لـ(المجهر): عندما يمتلئ المسجد بالقيم والمبادئ تنفتح بقية المساحات الأخرى في الاقتصاد والسياسة، وأرى أن المستقبل للوحدة لكل أهل الإسلام في السودان، وهذا حدث جديد وحركة جديدة داخل مسجد جامعة الخرطوم.
{ أمين الطلاب بالمؤتمر الوطني
من جانبه قال أمين أمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني “مأمون حسن” لـ(المجهر): ليس منبر جامعة الخرطوم وحده هو الذي يشهد مساعي الوحدة لكن كل المنابر التي يتوجب الوجود الإسلامي فيها في إطار المشتركات، وما يجمع التيار الإسلامي أكثر مما يفرقه، وهذا الحراك شهدته كثير جداً من المنابر وكثير من المشتركات الآن انتبه لها التيار الإسلامي بشكل واضح. وفي شهر رمضان كانت هنالك العديد من البرامج التي جمعت أشواق الإخوان نحو محاضر أساسية فيها الذكرى والعبرة ورد الوفاء لمن بذلوا وحرصوا وعضوا النواجذ على هذه القيم، وواحدة منها هي أسر الشهداء التي أقيمت فيها الكثير من المناشط وما يجمع الناس أكثر مما يفرقهم سواء في الإطار الإسلامي أو في الإطار الوطني. وهذا التواصل ليس خصماً على أحد أو ضد أحد، والحوار الآن في البلاد يقوم على هذه المشتركات بين التنظيمات السياسية، وأنا أكثر سعادة بهذا العمل لأن التجمع الوجداني الأخوي يعضد ويوحد.
المجهر السياسي