نعم.. تستطيع” “الزهرة الجديدة” أكبر المستفيدين من زخم وجود رئيس أكبر دولة في العالم على أراضيها.. كيف اجتازت أديس أبابا الطريق الطويل من عمق “الإشتراكية” إلى قلب القلعة الرأسمالية

يحل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أرض أجداده عائداً إلى جذوره في أفريقيا القديمة، هنا أرض الأحباش التي تستهدف مستقبلها عبر عاصمة اتحاد الأفارقة أديس أبابا التي يقول المخططون لها إنها ستصير في العام 2020 داون تاون أفريقيا..

منقستو ديسالين رئيس الوزراء العائد إلى منصبه عقب انتخابات تجاوزت نسبة فوزه بها 90% بحسب ما تقتضي الحالة الأفريقية يستقبل ضيفه وفي باله أن (سبتا) أخضر يلوح في أفق مستقبل الدولة التي تمضي حثيثاً في اتجاه استلام موقع الريادة الأفريقية، وهو أمر يتطلب بالضرورة القبول من الخارج ومباركة الدولة التي يديرها أوباما المسمى في القواميس الأفريقية والعربية (مبارك)..

لكن سؤال هبوط حاكم أكبر دولة في العالم في أراضي إثيوبيا يعقبها سؤال آخر: هل ستحط البركة في أرض النجاشي أم أن ثمة حكايات أخرى على الإثيوبيين الاستعداد لاستقبال تداعياتها؟

حسناً، ثمة حالة من الاحتجاج شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب إعلان البيت الأبيض عن رحلة الرئيس الأمريكي وزيارته لإثيوبيا، الاحتجاج دار حول محور مدى التزام إثيوبيا بالديمقراطية عطفاً على الشرعية التي حصل عليها رئيس الوزراء ديسالين في انتخابات يرى الكثيرون أنها لم ترق لدرجة التنافس ولم تتوفر فيها المعايير الحقيقية التي يمكن أن تصل بها لمراقي التحول الديمقراطي الحقيقي، وهو أمر يعني في الأصل أن النظام الأمريكي وبخطوة الزيارة يمكن أن يضفي على الحكومة الإثيوبية الشرعية وفقاً لتفسير حالة الرضا الأمريكي. ولم تكن هذه النقاشات وليدة زيارة أديس أبابا إنما مثلت إعادة حالة لجدال دار هناك قبل زيارة الرئيس الأمريكي لمصر على عهد محمد حسني مبارك، وهي الزيارة التي أعقبتها ثورة يناير التي أطاحت نظام مبارك ومعه حالة الاستقرار، الثورة المصرية التي أعقبت زيارة من صعد إلى البيت الأبيض تحت راية (التغيير) تفرز سؤالها الآن وأوباما يهبط في إثيوبيا: هل الهضبة على وعد مع اشتعال احتجاجات تغير المشهد هناك أم أن الأمور ستسير كما تشتهي سفن ديسالين وحكومته؟.

يقول رئيس الوزراء الإثيوبي في لقاء جمعه بالصحافيين السودانيين في الشهر الماضي إن وصفة الاستقرار الإثيوبي والمضي في مشاريع الاستثمار لم تكن لتمضي للأمام لولا الاستقرار السياسي المتبوع بتجربة ديمقراطية تتم ممارستها داخل الدولة، لكن التوصيف السلطوي لديمقراطية إثيوبيا يجد قبوله عند الإدارة الأمريكية التي بعثت برئيسها إلى أديس التي تبدو الساحة الأكثر ملائمة لمناقشة التحديات الأفريقية بغية رسم صورة لواقع مختلف يسوده الاستقرار المرتبط في المخيلة الأمريكية بضرورات التقييد بالديمقراطية باعتبار أن دعمها يمثل أحد الأركان الرئيسة في استراتيجيات تنفيذ سياستها الخارجية لكن الأمر ذاتها سرعان ما يجد نفسه خاضعاً لاختلاف الطبيعة الاجتماعية والسياسية أو أن ما يصلح في داون تاون الأمريكية ليس بالضرورة أن يكون هو ما ينفع مع أديس الإثيوبية، فالديمقراطية التي يتم تطبيقها الآن هي ديمقراطية مرضي عنها من الجميع وساهمت في تحقيق الاستقرار السياسي في إثيوبيا بحسب ما تقول السلطات هناك، وتأكيداً لحالة الغبطة عند رئيس الوزراء المنتخب ديسالين وهو يقول إنهم يطبقون نظاماً سياسياً ساهم في تحقيق حالة من الرضاء في أوساط الشعوب الإثيوبية المختلفة حتى وإن كان الآخرون يطلقون عليها ديمقراطية الحزب الواحد.

وتسعى إثيوبيا التي تطرح نفسها كدولة محورية في المنطقة من أجل حلحلة القضايا الأفريقية العالقة ووضع حلولاً للمشكلات، فأديس تمسك بالملف السوداني في سببيل وضع نهاية للصراع بين الخرطوم وقطاع الشمال وهي ذاتها التي تستضيف في المقابل مفاوضات الجنوب سودانيين في مكان آخر وهي قضية تدخل في صميم اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية وهي في ذات الوقت تحادد الصومال بمشكلاتها المتعددة وبحالة الخوف الغربي من تفريخ المجموعات الإسلامية المقاتلة في المنطقة أو للالتحاق بجماعات داعش في سوريا والعراق مؤكد ستكون أكبر المستفيدين من زخم وجود رئيس أكبر دولة في العالم في أراضيها وهي الزيارة التي من المحتمل أن تدعم أي حراك مستقبلي من أجل تسوية شاملة في منطقة الشرق الأفريقي وهي التسوية التي من الممكن أن تبدأ خطواتها الأولى من الزيارة التاريخية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة كانت تصنف في عهد سابق براعية الاشتراكية في أفريقيا ومؤكد أن الدعم السياسي لن يكون وحده وإنما سيلحقه دعم اقتصادي يزيد من ارتفاع تيرمومتر الاستثمارات الخارجية في إثيوبيا وهي عوامل من شأنها أن تساهم في استدامة حالة الاستقرار والنمو في البلاد. وهو أمر يبدو متجاوزاً للحالة السياسية بل يربط بينها والحالة الاقتصادية فمشروع التنمية الإثيوبي ومعركتها ضد الفقر يحتاج لمثل هذا النوع من الزيارات التي تمثل رافعة للأمام تحتاجها إثيوبيا في هذا التوقيت. لكن رغم مجموع المكاسب التي يمكن أن تاتي لإثيوبيا من وجود الرئيس الأمريكي في أراضيها لا يعني أن الأمر قد يخلو من المخاطر التي يمكن أن تدفع فاتورتها في حال تكررت التجربة المصرية عقب زيارة أوباما الأمر الذي يستبعده البعض لوجود قبضة أمنية أدت لخفوت الصوت المعارض هناك لكن هذه الحالة ذاتها كانت الحالة القاهرية لكن حين خرج صوت الشعب لم يجد من يقف في طريقه حتي تحقق الهدف في ما اصطلح على تسميته بـ(الربيع العربي) وهي التسمية التي تخرج إثيوبيا من اطاره باعتبار أن عملية هبوب نسماته على أفريقيا لم يأت وأنها بعد.

في كل الأحوال، فإن ثمة تاريخا جديدا يكتب في الزهرة البيضاء وبقلم أمريكي أو كما يقول الخبير في العلاقات والسياسة الخارجية الأمريكية البروفيسور (الدومة) أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية فهو يقول في إفادته لـ(ليوم التالي) إن طائرة أوباما لم تكن لتغادر مدرج مطار واشنطون دون أن تحدد المطلوبات بالتحديد من الزيارة فالأمريكان لا يتركون شيئا للصدفة، كما أن عملية رسم السياسة الخارجية تتخذ أبعادها الاستراتيجية وتحدد أهدافها سلفاً كما أن ما يحدث في المنطقة في الوقت الرهن يتطلب مثل هذا النوع من الخطوات، يضيف البروفيسور نعم المحطة أديس أبابا لكن في الوقت ذاته، ثمة محطات أخرى تستهدفها القاطرة الأمريكية في سعيها، ويجملها في محطات النزاعات في الإقليم وعلى رأسها النزاع في السودان بشطريه، فالإدارة الأمريكية لديها رؤيتها التي من الممكن أن تضعها في المائدة الإثيوبية، كما حدث في المائدة الكينية التي أنتجت نيفاشا في وقت سابق مع أن ثمة عوامل وتغييرات قد حدثت في الساحة، ويمكن أن تلقي بظلالها على المشهد الإقليمي برمته.. الدومة يؤكد على أن السياسة الإثيوبية بدأت تؤتي أكلها في المجال الخارجي وأن هذه الزيارة هي أحد مخرجاتها الإيجابية.. يستبعد أيضا تكرار النموذج المصري في الأراضي الإثيوبية وذلك لاختلاف البيئة المصرية عن نظيرتها الإثيوبية كما أن حالة التنمية والاستقرار التي تشهدها البلاد الآن تصلح لأن تكون كابحاً لأي حركة احتجاج قد تقطع الطريق أمامها وتعيد البلاد لمربع المواجهات الأول في وقت سابق.

ستحط طائرة أوباما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا هذا السبت وسينتظرها الإثيوبيون بشوق حتماً سينثرونه مع إبداعاتهم وثقافاتهم الضاربة في الجذور حين استقبال ضيفهم عالي المقام سيأتي الرجل الذي يقضي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض محملاً بمجموعة من الحلول للقضايا الأفريقية ولقضايا المنطقة (الحلول) التي سينتظر الكثيرون كشف النقاب عنها لأنها في الأصل قضاياهم التي أعجزتهم حلولها

اليوم التالي

Exit mobile version