(1)
أصبحت الوقفات الاحتجاجية طبيعة (عملية) للعاملين في التلفزيون القومي، فهم في الغالب لا تصرف حقوقهم إلّا بعد أن ينفذوا (وقفة احتجاجية) لا تتجاوز مبنى التلفزيون. ولا تستغرق سوى دقائق معدودة يبلِّغ عبرها العاملون في التلفزيون القومي رسالتهم في أسلوب حضاري، ثم يمضون إلى مباشرة أعمالهم بصورة طبيعية.
إعلامياً، اعتدنا على مثل هذه (الوقفات) التي لم تعرف إدارات التلفزيون المتعاقبة حلاً لها حتى أصبحت (الوقفة الاحتجاجية) في مباني التلفزيون القومي من طبيعة العمل في التلفزيون. فهي مثلها مثل نشرة عشرة في التلفزيون القومي، أو نشرة ثلاثة في الإذاعة الأم. ليس في الوقفات الاحتجاجية ضرر ولا ضرار لعاملين أرادوا أن يطالبوا بحقوقهم المجمدة منذ أشهر عديدة، بل منذ سنوات.. ولا حياة لمن تنادي. إذ لا يصرفونها إلّا جرعات لا تغني ولا تسمن من جوع.
(2)
الجديد في إدارة التلفزيون القومي هذه المرة، هي أنها أصبحت تضيق بالوقفات الاحتجاجية وأصبحت تتعامل معها بالقمع.
السلوك الحضاري، يجب أن يُقابل بسلوك حضاري.
في التلفزيون القومي تم التحقيق مع (الدسوقي- مسؤول تصوير الأخبار بمكتب التلفزيون بالخرطوم، وشوقي حاج رحمة مصور، وعبد العزيز أحمد زين العابدين.. محرر)، وذلك على إثر مشاركتهم في احتجاجات العاملين للمطالبة بحقوقهم في أواخر رمضان، بالإضافة إلى تأخر صرف الفروقات وباقي
المستحقات المالية للعاملين بالتلفزيون، حسب ما جاء في صحيفة (الجريدة) الأسبوع الماضي. الأمر تجاوز التحقيق عندما تم توقيف أربعة من العاملين بالتلفزيون على إثر مشاركتهم في احتجاجات يوم الثلاثاء الماضي وهم (نادر الطيب، خليل محمد أحمد، سفيان حسن، عبده الأمين). العاملون في التلفزيون القومي خرجوا في هذه الوقفات ولقوا هذا العقوبات وهم يطالبون بدفع متأخراتهم المادية ويتسامون أبعد من ذلك حينما تكون دواعي وقفتهم إصلاح بعض الأجهزة المعطلة في التلفزيون القومي.
(3)
إدارات غير قادرة على حل مثل هذه الإشكاليات، تبقى غير جديرة بأن تكون مشرفة على جهاز قومي يحدد مسار (الإعلام) وكيفيته في هذه البلد. إدارة تتعامل مع أربعة عاملين في التلفزيون القومي بهذه القسوة والقمع، يبقى كيف لنا أن ننتظر منها إعلاء قيمة الحوار وإفشاء حرية التعبير. هذا السلوك الذي صدر من إدارة التلفزيون القومي، لا نجد له صنواً حتى في السجون والمعتقلات.
(4)
الأوضاع في التلفزيون القومي متراجعة بشدة، بيئة غير صالحة للعمل، وأجهزة معطلة، واستديوهات خيَّم عليها البؤس والعنكبوت، وعاملون لا تُصرف لهم حوافزهم وبدلاتهم، بل يجدون (عقاباً) على مطالبتهم لإصلاح الأجهزة التي يعملون بها. لا نريد أن يصبح التلفزيون القومي مثل (مشروع الجزيرة) وأن يجد
العاملون فيه ما وجده المزارعون من معيشة ضنكة وهم أعز الناس وأشرفهم.
(5)
للحق نقول: إن التلفزيون القومي رغم منافسات الفضائيات الأخرى ورشاقتها وما يصرف فيها من تحفيز ورعاية، إلّا أنه استطاع أن يقدم برمجة متميزة في العيد. والذين يخرجون مثل هذه (الإبداعات)، يستحقون التكريم .. لا حرمانهم من حقوقهم وإيقافهم بسبب مطالباتهم. السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية.. نسألك التدخل لحل مثل هذه الإشكاليات.. فقد تعودنا على ألا تحل الإشكاليات في التلفزيون إلّا بعد تدخلك!!.